«خطة الحكومة كوكتيل أفكار مبعثرة وتحتوي تناقضات ومخالفات قانونية ودستورية»
آخر الدواء صندوق النقد الدولي. فعلها لبنان وفي الأصل لم يكن بمقدوره إلا اللجوء الى الصندوق بفعل الواقع المالي والاقتصادي الذي وصلت اليه البلاد. كُتب لحكومة الرئيس حسان دياب أن تشهد طلب المساعدة، وربما لو جاء هذا الطلب نفسه في عهد أي حكومة أخرى لما سلك طريقه بهذه السهولة.
أسئلة تدور، بعضها افتراضي وبعضها واقعي، عما قد تحمله مرحلة دخول لبنان في فلك الصندوق سواء لجهة المطالب أو لجهة قدرة لبنان على الإيفاء بأي التزامات أو تعهدات، خصوصاً بعدما حددت فئة من اللبنانيين موقفها الرافض لأي وصاية.
جهزت العدة من خلال الخطة الاقتصادية التي سميت «خطة التعافي المالي» لتكون جسر العبور الى الصندوق، وها هي المفاوضات معه تشق طريقها وهنا تتظهر الشروط والإمكانات وطبعا وفق ما يطالب به فهو في الموقع الأول والقوي .
يدرك المسؤولون عن الصندوق حقيقة الوضع في لبنان اقتصادياً ومالياً، ويدركون أيضاً حجم الفساد لناحية الأموال التي هدرت وهربت ونهبت وضياع فرص الإصلاح على مدى سنوات. لكن ما سيقدمه الصندوق يبقى حتى الآن ملكه بإنتظار انتهاء المفاوضات التي ستتم على مراحل، إلا اذا كانت الرغبة بتسريع الأمر قائمة وهو ما سينجلي قريبا جدا.
وتلفت مصادر سياسية الى ان «مرونة حزب الله في الموافقة على التوجه نحو الصندوق بعدما كان رافضا الأمر قد لا تعني انفتاحه على ما قد يفرض من شروط، وهذه مسألة تستدعي النظر»، معلنة في الوقت نفسه ان «الرسالة التي خرجت من اجتماع بعبدا هو طلب المشاركين ومن بينهم الحزب من الصناديق والمؤسسات الدولية مساعدة لبنان وهي كفيلة بأن تشكل غطاء للخطوات المقبلة».
غير ان ما يجدر التوقف عنده هو ما قاله وزير المال غازي وزني في اجتماع بعبدا أثناء شرحه للخطة من أن «التفاوض مع الصندوق لا يحصل بالضرورة كما يريد هو». وهنا تتحدث مصادر وزارية لصحيفة «اللواء» عن ان «لبنان سيدرس اقتراحات الصندوق لمساعدته، فإما يقبل أو يرفض مع العلم ان هامش الوقت بدأ يضيق وليس معروفا ما اذا كان المجال متاحا للأخذ والرد «، وتفيد ان «التشريعات مطلوبة من مجلس النواب تجاه الصندوق وهناك اكثر من جهد يبذل لهذه الغاية، مع ملاحظة ان ما هو مطلوب سيتم تجهيزه لملاقاة المطالب الدولية».
وتؤكد المصادر انه «تمّ سلوك الممر الإلزامي للاستدانة الخارجية ليس من صندوق النقد فحسب بل عموما ولسيدر أيضاً، ومن دون الخطة المالية لا يمكن للمستشار المالي «لازارد» الذي كلف من الحكومة اللبنانية مفاوضة الدائنين بأفضل شروط»، مشيرة الى ان «التفاوض مع الصندوق انطلاقا من إعادة هيكلة ديون مصرف لبنان وديون الدولة اللبنانية وديون المصارف اي المطلوب fresh money».
وتوضح المصادر انه «في العادة قد تكون شروط الصندوق اقتصادية – ادارية عامة، أي إصلاحية وربما يطاول ذلك ترشيد القطاع العام وتحرير صرف سعر الليرة ووضع القيود على بعض الاستيراد واصلاح الجمارك وزيادة الضرائب على القيمة المضافة وكلها تشكل محور تفاوض.»
اما بالنسبة الى الشروط السيادية السياسية، فترى المصادر ان «الأمر ليس من اختصاص حكومة التكنوقراط كما لا يمكن لصندوق النقد الدولي منح القروض مقابل توطين الفلسطينيين او القول «تكرم عيونكون « للنازحين السوريين بالبقاء في لبنان، مع العلم ان الصندوق هو من قدر كلفة الخسائر المترتبة او التداعيات المالية جراء وجود النازحين في لبنان والتي بلغت 25 مليار دولار.»
خطة الحكومة «أفكار مبعثرة»!
من جهتها، تسأل مصارف مصرفية عبر «اللواء» هل طموح لبنان بالحصول على 10 مليارات دولار من الصندوق لخمس سنوات تكفي لحل الأزمة، فين حين أنها قد لا تكفي للشراب والطعام؟ وتقول: «اليس من الأفضل ان نتجه نحو تكبير الاقتصاد إذ انه باللجوء الى الصندوق تكون الدولة كمن تستدين من جديد، لأن الصندوق لن يقدم الهدايا.»
وتشير المصادر الى ان «مراكمة عجز الموازنة تتحمله الدولة، وان الفوائد المرتفعة التي فرضتها المصارف ما هي الا نتيجة الدين والعجز»، داعية الدولة الى التصرف بأملاكها او بطريقة اخرى لمعالجة الخسائر المالية والتعويض على المواطنين» .
وتصف المصادر خطة الحكومة بأنها «ليست سوى أفكار مبعثرة تحمل الكثير من التناقضات وتتضمن مخالفات للقوانين، كما انها غير دستورية ويصلح ووصفها بالكوكتيل»، مشيرة الى ان «الدولة هي من يجب ان تتحمل مسؤوليتها في الخسائر وليس القطاع المصرفي وذلك من خلال بيع عقارات او املاك لها» .
وعن شروط صندوق النقد، تقول المصادر بأنها «إصلاحية وصعبة جداً»، وتسأل «كيف يمكن للمستثمرين ان يوظفوا استثماراتهم في لبنان، وثمة جو عدائي مع المصارف التي تخسر رأسمالها»،
مشيرة الى ان «الدولة ساهمت في ما يعرف بالعامية بـ «قشطة» (سقوط) المصارف والاقتصاد في حين ان لجوء الخطة الى التسفير لن يساعد في الاتيان بمستثمرين .»
وتسأل عن كيفية رد قروض الصندوق في ظل الخسائر الموجودة في ميزان المدفوعات، معتبرة أن «الحديث عن توزيع الخسائر يتطلب فتح حوار مع المصارف التي تريد أموالا من الدولة، وماذا عن الهيئات الاقتصادية التي رفعت الصوت داعية لإعادة النظر بالخطة وما تتضمنها من رفع للضرائب على الشركات التي تعاني أصلاً من أزمات، وما الهدف من كل ذلك؟».
وتؤكد المصادر المصرفية ان «موضوع سعر الليرة الوارد في الخطة والأرقام الواردة في هذا المجال ليست دقيقة، اذ ماذا لو تم رفض تسعير الدولار بـ 3500 ليرة الذي يحكى عن تثبيته؟».
وتلفت الى ان ما «يجري هو الانقضاض على أموال المودعين من المواطنين من دون تعويضات».
مشيرة إلى أن «أول ما سيسأل عنه صندوق النقد هو ما اذا كان هناك اجماع على الخطة وهذا يشمل القطاع المصرفي اذ انه لن يقدم على اية مساعدة ما لم يتوفر جو ايجابي»، داعية الى اعادة النظر بها في اقرب وقت ممكن .
ولا تخفي المصادر التأكيد ان «القصة ليست عنادا فالدولة على مر السنوات أهدرت الأموال ونالت ما نالته من القطاع الخاص واستدانت من المصارف»، وتخلص المصادر إلى القول «لعل كلام رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء خلال اجتماع بعبدا ومن ثم البيان الصادر عن المشاركين فيه لجهة ان الخطة غير منزلة مؤشر الى تعديلات جوهرية قد تطرأ عليها من شأنها إزالة الالتباسات كي تكون بالمستوى المطلوب في المفاوضات مع الصندوق».