مايزال مبلغ الـ 25 مليار ليرة الذي جمعته محطة الـmtv لصالح مستشفيات حكومية والصليب الأحمر ونقابة الممرضين حديث اللبنانيين، وهذا الجهد الكبير الذي يستحقّ كلّ الشكر على كبره ونصاعة إخلاصه يشبه في رقمه النهائي فلس الأرملة إذ يعادل مبلغ الأصفار التسعة 12 مليون ونصف المليون دولار وأقلّ، هو «بحصة تسند خابية» في لحظة غرق أجمع فيها كلّ المتبرعون أنّهم يشترطون للتبرع عدم ذهاب تبرّعهم ليد الدولة لانعدام ثقتهم في أمانتها وقصر يدها.
ثمّة ما يستحقّ أن نتوقّف عنده بتأمّل فقبيل السابعة من مساء الأحد الماضي تمّ الإعلان عن تبرّع سيّدة فلسطينية مقيمة في دولة قطر منذ أربعين عاماً بمبلغ مليون دولار للبنان رافضة ذكر إسمها، تبرّعت لأنّها تحبّ لبنان وشعبه، للحظة فكّرت أنّ هذه السيّدة تبرّعت بمبلغ ملياري ليرة لبنانيّة من دون البحث عن شهرة، وهي لا تريد لا جزاء ولا شكوراً، وفي نفس الوقت قفز إلى رأسي تبرّع الملياردير نجيب ميقاتي ابن طرابلس لمستسفى طرابلس الحكومي بمبلغ 80 مليون ليرة أي ما يعادل أقلّ 40 ألف دولار أميركي فقط!!
لا يحتاج لبنان ولا اللبنانيين إلى مليارات السياسيين الذين يعرفون جيّداً كيف ومن أين جمعت، ولكن ليذكر هؤلاء أن ملياراتهم هذه لن ترفعهم درجة عن اللبنانيين الذين أصابهم الوباء، «يعني بجلالة قدرهم» متى أصابهم كورونا واحتاجوا إلى حجر صحي في المستشفى لن يجدوا هذه المرّة مستشفى في دول العالم يستقبلهم ولن تنفعهم طائراتهم الخاصّة في الانتقال إلى دولة ما ليجدوا حجراً يناسب»برستيج ملياراتهم» هؤلاء عليهم أن يفكّروا جيداً أنّهم في زمن الوباء قد يدفعون كلّ ملياراتهم ثمناً لأملٍ ما بالشفاء!!
مخزٍ أنّ في لبنان مليارديرات ومليونيرات هم قادرون إذا ما قرروا أن يجمعوا مليون دولار عالماشي من كلّ واحد منهم وطلبوا من الدولة اللبنانيّة أن تتواصل مع السفير الصيني في لبنان وانغ كيجيان وتطلب من دولته تأمين ألف جهاز تنفّس والمساعدة في إرسال فرقٍ تقوم بتجهيز المستشفيات الحكومية بكلّ المستلزمات المطلوبة لمواجهة هذا الوباء، وفوق هذا بوسع هؤلاء المليارديرات أن يتكفّلوا بالعائلات التي يعمل معيلوها باليوميّة بما يحفظ كرامتهم وتأمين القوت اليومي لهم واحتياجاتهم إلى حين اجتياز هذه الأزمة العالميّة، أم أنّهم فقط معتادون على توزيع الحصص الغذائيّة قبيل الإنتخابات وإذلال الناس بها لسرقة أصواتهم الإنتخابيّة؟!
لبنان ليس «شحّاذاً» ولا «متسوّلاً»، نحن دولة إمكانياتها محدودة ولكن كرامتها «قدّ الدني» وتملك كفاءات كبرى تجلّت في هذه المحنة الكبرى، ما شاهدناه من مواقف لأطباء وممرضين ومتطوعين وجهاز الصليب الأحمر اللبناني لا تقدّر بثمن أبداً، ولكن فعلاً يتساءل اللبنانيّون، لماذا لا نسمع عن تبرّع الرئيس نبيه بري وعائلته لصالح المستشفيات الحكومية وتجهيزها، لماذا لم نسمع عن تبرع رئيس الجمهورية ميشال عون برواتبه الأربعة لصالح شعبه في هذه المحنة الكبرى، لماذا يلوذ الرئيس سعد الحريري بالصمت أم أن الأموال لا تظهر إلا في الانتخابات، أين عصام فارس أم أن الشمال اللبناني لا يستحق منه بضعة ملايين، كيف تقبل السيدة نازك الحريري على نفسها وعلى أبنائها أن تتبرع فقط بخمسمئة ألف دولار، فيما تتبرع سيدة فلسطينيّة مجهولة بضعف هذا المبلغ، ألا تحبّ نازك الحريري وأبناؤها لبنان، أين ملايين الشيخ بهاء الحريري أم أنّها تظهر فقط بحثاً عن منصب رئاسي وفي تمويل من يحاربون شقيقه، أين مليارات الرئيس فؤاد السنيورة وجهاد العرب وهلمّ جرّاً؟!
«يا عيب الشوم» على الذين يديرون الأوقاف الإسلامية والمسيحيّة والتي يفترض أنّ مهمّتها الأساسيّة مساعدة الفقراء، أين هي لماذا لا تسارع إلى رعاية الفقراء العاطلين عن العمل هذه الأيام، ألا يسمع هؤلاء الذين يدّعون أنّهم ممثّلي الله على الأرض أنين الفقراء والمرضى والمظلومين؟
هذه المحنة وقتٌ للتفكّر بقدرة الله القويّ الجبّار القادر،وقت للتفكّر بأن نسمة هواء يرسلها الله قادرة على إفناء البشرية جميعها،فكّروا جيداً جدّاً،لأنّ المليارديرات الذين لا يقفون إلى جانب وطنهم في محنة كبرى لم يشهد لها نظيراً منذ الحرب العالميّة الأولى، ويحرصون على إظهاره بمظهر «المتسوّل»، هذا الوطن وبعد تجاوزه محنته سيركلهم بقدمه على قفاهم ويلقي بهم خارج الزمن الجيّد عندما يجيء لأنّهم تجاهلوه وتجاهلوا شعبه عندما جاء زمنه الرديء.
ميرڤت السيوفي