إن سأل مُكتشِف جسد، بعد جولة غرامية صاخبة، حبيبته وهي تلملم حالها: من أين لك هذا؟ لن تفكر أنه يقصد عقد الماس الذي تضعه حول عنقها العاجي والمتدلي بين منحدرين من مرمر زماني حولتهما الشمس تفاحتين موشحتين، ستجيبه على سؤاله بالتصريح مجدداً عمّا تملكه من فيض أنوثة وعطاء بلا حدود.
وإن سألت فنانة: من أين لك هذا؟ وأنت تصوّب نظراتك على ساقين رخاميين تجيبك “لون عيوني من إمي، الهضمنة من البابا والصوت من الله”.
وإن سألت موظفاً في دائرة عقارية من أين لك هذا؟ في إشارة إلى الأراضي التي يملكها والحدائق الغناء المزينة بأدوات زراعية ومنحوتات أجاب: هذا النورج ورثته عن جدي. ويروي لك كيف كان يجلس مع الصبية يوم كان صغيراً والفدّان يكدح كي “يدرس” القمح على البيدر.
وتسأله بالتحديد: ومن أين لجدك البيدر؟
كان جدي حاجباً في أمانة السجل العقاري في بعبدا أيام الإنتداب. جمّع فرنكين، وقسّط البيدر وهيدا البيدر بيدرنا قالت زوجته متدخلة في الحديث.
إن سألت ضابطاً رفيعاً، من أين لك هذه الفيلا؟ جاوب: هذه ملك زوجتي. أنا لا أملك سوى ثيابي وسيارة موديل الـ 2000. تطور السؤال مستطرداً: وزوجتك من أين لها هذا؟ فيجيب المرحوم زوجها الأول كان يعمل في الدوائر العقارية.
وإن سألت قاضياً نزيها: من أين لك هذا؟ يجيب من نزيه القاضي، المرحوم خالي.
وإن سألت مديراً عاماً من أين لك هذا وراتبك لا يوفر لك كل هذه الفخفخة؟ يجيبك: كتبت كتاباً وقعته، وزعته، واشتريت بمردوده بعض العقارات.
وهل كتابك أهم من كتاب جبران؟
“ومين جبران؟” ردّ حديث النعمة باعتداد على صاحب الحق في الوصول إلى المعلومات.
وإن سألت وزيراً من أين لك هذا؟ (شقق، سيارات، يخت، ساعات) سيعتقد أنك تسأله عن ذوقه الرفيع المستجد.
وإن سألت نائباً ليس بيده مصلحة، ولم يرث من عيلته دونم أرض بالضيعة، من أين لك هذا؟ يرفع يديه إلى الله سبحانه ويجيبك بالجملة المأثورة: “هذا من فضل ربي”.
وإن سألت رئيس مجلس من أين لك هذا؟ ظنّ أنك تسأله عن ديوان شحرور الوادي.
وإن سألت رئيس حكومة من أين لك هذا؟ نظر إلى حارسه الشخصي الواقف كأبي الهول خلفه وكرر السؤال سائلاً: من أين لك هذا يا رؤوف. لم يفهم رؤوف عن أي “هذا” يجيب.
وإن سألت رئيساً من أين له الملايين سيغضب كثيراً و”يجيب” خبرك.