هل تُبصر تسوية المياومين النور؟
«المال» و«الطاقة».. فيول و«بلوكات» ومخالفات
يتعامل كثر مع الإشكال الأخير بين الوزيرين جبران باسيل وغازي زعيتر في مجلس الوزراء على اساس أنه مجرد هزة ارتدادية للمشكلات المتراكمة بين وزراء «أمل» و«التيار الوطني الحر»، وأبرزها موجود في وزارة الطاقة.
كان الوضع مريحاً بين باسيل، عندما كان وزيراً للطاقة، وبين وزير المال السابق محمد الصفدي. لكن مع وصول حليف الحليف «الحركي» إلى وزارة المال وانتقال باسيل إلى مرحلة الوصاية على وزارة الطاقة، لم تسر الأمور كما كان يتمنى الأخير.
ثلاثة ملفات خلافية خرجت إلى العلن خلال الأشهر الماضية، لم تقتصر على مجلس الوزراء، إنما تعدته وصولاً إلى الرابية واجتماعات «تكتل التغيير والإصلاح»، كما انتقلت مراراً بين السرايا الحكومية وعين التينة، وصولاً إلى سفارات غربية عدة دخلت على خط أكثر من ملف. كل ذلك لم يكن ليمر من دون تصعيد سياسي بين الحليفين اللذين أثبتت التجارب أن خلافهما يتفوق على اتفاقهما.
اللافت للانتباه لمن يشارك في مجلس الوزراء أن وزراء «المستقبل» كانوا غالباً إلى جانب باسيل، متناسين حملاتهم الدائمة على أدائه في وزارة الطاقة. الشراسة المزدوجة في الدفاع عن مصالح بعض الشركات الأجنبية أثارت الكثير من الشكوك.
50 مليون دولار مجهولة المصير
بدأت القصة عندما جمّد خليل الدفعات المخصصة للشركة الدنماركية المعنية بتأهيل معمل دير عمار. كان اعتراض خليل يعود إلى خلاف على كيفية احتساب قيمة الضريبة على القيمة المضافة. وفيما أرسلت وزارة الطاقة فواتير تطالب بدفع 500 مليون دولار يُضاف إليها 50 مليون دولار بدل ضريبة. تمسك خليل بنص العقد الموقع مع الشركة والذي يؤكد أن قيمة العقد، أي الـ500 مليون دولار، تشمل الضريبة، فجمّد الدفع. وأرسل كتاباً إلى «الطاقة» يعلمها فيها أن المبلغ المطلوب مخالف للعقد.
قامت قيامة «تكتل التغيير» واعتبر أن ذلك يعرّض لبنان لدفع بدلات تأخير كبيرة، كما يضر بسمعة لبنان في الخارج، حيث يمكن اعتباره دولة متخلفة عن الدفع. لم يكترث خليل لذلك ولا للضغوط التي مارسها سفراء كثر أصروا على أن تحصل الشركة على قيمة العقد، بحسب الرقم الذي أرسلته «الطاقة»، أي 550 مليون دولار، قبل أن يعودوا ويتفهموا موقف الوزارة بعد اطلاعهم على مضمون العقد.
بدت الحملة شاملة، فيما اكتفت «الطاقة» بتبرير الفارق بالتأكيد أن العقد يتضمّن خطأ مادياً، وسيتم تعديله.
البعض يعتبر أن ذلك كان ليكون كافياً لحل المشكلة، لكن خليل طلب موافقة ديوان المحاسبة. أما «تكتل التغير» فأكمل حملته على خليل، متهماً إياه بالاستخفاف بالاتفاقيات الدولية الموقعة، ومذكراً أنه لو كان لوزير المال اعتراضات معينة فعليه أن يحيلها إلى الجهات الرقابية لا أن يقرر توقيف دفع التزامات سابقة، بما يتجاوز السلطة المعطاة له، علماً أن وزارة الطاقة نفسها أحالت الملف على ديوان المحاسبة، فجاء رأيه مطابقاً لرأي وزارة المال!
لم تنته الأزمة بعد بالرغم من الحلول المؤقتة التي اتفق عليها. إذ وافق خليل على تسديد الدفعات الأولى من العقد من دون الضريبة، على أن تقوم الوزارة، في هذا الوقت، بتسوية وضعها مع ديوان المحاسبة. ما حصل أن «الطاقة» لم تسوّ وضعها، إنما أرسلت لوزارة المال مطالبة بدفعة إضافية، لكن خليل أوقفها لأنها تكرس تخطي مبلغ الـ500 مليون دولار. وهو ما ينبئ باحتمال تجدد الخلاف قريباً، إلا إذا تدخل «الوسطاء»!
تسوية لقضية المياومين
لا تميّز مصادر «التكتل» بين إصرار وزير المال على «عرقلة المشاريع» وبين الأزمة المتواصلة لمسألة المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان «الذين يحتلون مرفقاً عاماً منذ أشهر من دون أن يتمكن أي جهاز أمني من إزالة التعدي، بعد تحذيرات من إحدى المرجعيات». تخلص المصادر إلى أن ما يحصل ليس سوى محاولة تطويع وتدجين لـ«التيار» لن ينجح منفذوها الساعون إلى الحصول على موافقة عمياء على كل مشاريعهم، ولاسيما موافقتهم في مسألة «البلوكات النفطية البحرية».
مع ذلك، ثمة بارقة ضوء في الأزمة المتصاعدة بين الطرفين. إذ علمت «السفير» أن وساطة النائب وليد جنبلاط أسفرت في الساعات الأخيرة عن الاتفاق على آلية تضمن فتح أبواب مؤسسة الكهرباء، وتشمل تحديد حاجة المؤسسة، التي سيُصار على أساسها توظيف المياومين في الشركات الثلاث.
ذلك يمكن أن يؤسس لتسوية الملفات العالقة الأخرى. لكن إلى ذلك الحين، ما تزال مصادر «التغيير» تشكك في إمكان وجود قرار ما يهدف إلى عرقلة عمل وزارات «التكتل». توضح أن تمنّع «المالية» عن الدفع لا يقتصر على الشركة المسؤولة عن تأهيل معمل دير عمار. الأمر نفسه يتكرر مع الشركات المعنية بتأهيل معملي الزوق والجية.
في «كتلة التنمية والتحرير»، ثمة من يستغرب الحديث عن «تطويع وتدجين». يتحدث هؤلاء عن ملفات محددة لا يمكن أن تمرّ بدون تسويتها قانونياً. في الملف المتعلّق بالـ«الزوق» و«الجية»، لا خلاف بشأن الدفعات. ثمة أمر يراه البعض أخطر. إذ تبين وجود تعديلات على العقد الأصلي الموقع مع الشركات، بما يعني أن هذه التعديلات لو أنجزت قبل المناقصة لكان يمكن أن تتغير نتيجتها. علماً أن ديوان المحاسبة مؤخراً أفتى بعدم قانونية العقد وعدم جواز الدفع، على أثر التعديلات المخالفة للقانون، وبالتالي صار لزاماً التوقيع من جديد أو إلغاء التعديلات.
مصالح متداخلة
الملف الأخير العالق بين الوزارتين مرتبط بعقود استيراد الفيول لشركة كهرباء لبنان. من حيث المبدأ، وقّعت هذه العقود مع الكويت والجزائر من دولة لدولة، قبل أن يتبين أن من ينفذ العقد الموقع مع الجزائر لا دخل للجزائر في تنفيذه، إنما تقوم شركة مسجلة في إحدى جزر المحيط الهادئ بتنفيذه، مع شكوك في أن يكون وراءها شركة لبنانية. أما العقد الموقع مع الكويت، فملتبس، حيث تقوم شركة البترول الكويتية بتنفيذ العقد، لكنها تستورد النفط من مصادر عدة ليست الكويت إحداها.
الأغرب أن العقدين الموقعين منذ سبع سنوات ويهدفان إلى توفير البدلات التي يحصل عليها الوسطاء عادة، تحولا إلى عقدين بفائدة محصورة بالوسطاء المجهولين الذين تحول أحدهم إلى مجرد بريد الكتروني لمحام بريطاني يمثل الشركة «الجزائرية». كما أن البند الذي يفرض مراجعة العقدين دورياً تحوّل إلى لزوم ما لا يلزم، إذ لم يراجع العقدان طيلة السنوات الماضية.
إضافة إلى ذلك، تبين أن الفواتير المستحقة لهاتين الشركتين لم تدفع يوماً في الوقت المحدد ما أدى بالنتيجة إلى دفع غرامات تأخير، تقدر قيمتها بـ270 مليون دولار سنوياً، علماً أن الغرامات لم تقتصر على ذلك، إنما ما يضاف عليها نحو 40 مليون دولار سنوياً بدل أرضيات للبواخر، التي تضطر إلى البقاء في المرفأ ريثما تفرغ حمولاتها، بموجب اتفاق مسبق على التأخير لتغريم الدولة!
اللافت للانتباه أنه عندما تم التدقيق في أسباب التأخير تبين أن وزارة الطاقة هي التي تؤخر تسليم الفواتير إلى «المالية»، من دون وجود أسباب واضحة لهذا التأخير.
ما سبق، أثبت أن ثمة ضرورة لإيجاد حلول سريعة. طرحت مسألة إعادة التفاوض بشأن العقدين وإعداد دفتر شروط جديد. رفض باسيل ذلك بشدة كما دافع الرئيس فؤاد السنيورة عن العقود الموقعة. كذلك، فقد كان الوزير محمد فنيش من المعترضين في البداية لكون العقود وقعت في عهده، لكنه بعد أن تبين له أن العقود التي وقعت هي غير العقود التي فاوض من أجلها تراجع عن موقفه.
تقنياً ركز باسيل و«المستقبل» على أن لا إمكانية لإلغاء العقود لأن وقت التفاوض انتهى مع نهاية أيلول الماضي. لكن تبين لاحقاً أن ذلك غير صحيح، وما يزال أمام مجلس الوزراء نحو شهر بالحد الأدنى للتفاوض بشأن العقود وهو ما حصل فعلاً حيث كلف وزيرا الطاقة والمالية تحضير دفتر شروط بالتنسيق مع رئاسة الحكومة خلال 15 يوماً من تاريخ جلسة الخميس في التاسع من تشرين الحالي.
أما في ما يتعلق بالتفاوض مع الشركتين، فقد أرسل خليل كتابين إلى الشركتين يطلب منهما ذلك من دون أن يلقى أي رد.
تخفيض 52 بالمئة من العجز
كذلك كلف خليل ببحث إمكان التعاقد مع شركة نفط تكون مسؤولة عن عملية استيراد الفيول من ألفها إلى يائها، مع اعتماد آلية دفع ثابتة. وقد تمّ التركيز على فكرة أن تحصل على بدل سنوي هو عبارة عن سندات خزينة مؤجلة لسنتين. يقول أحد المتحمّسين لهذا الخيار أن ذلك، يمكن أن يكون له فوائد كبيرة على الاقتصاد، بما يوفر نحو 2,2 مليار دولار من الدين العام السنوي (قيمة عجز الكهرباء)، ويسمح بتقديم موازنة متحررة من 52 بالمئة من العجز. كما أن هذه الخطوة يمكن تؤدي إلى خفض نقطة على فوائد الدين، بما يعني توفير 500 مليون دولار على الخزينة، يضاف إليها بدل غرامات سنوية.