بعد حوالى أكثر من شهر على بدء حملة توقيف الصرّافين وما تبعها من إضراب مفتوح في القطاع، هل تعود سوق الصيرفة عن الاضراب وتعاود الفتح الأسبوع المقبل بعدما تمّ الافراج عن نقيب الصرافين ونائب النقيب وسائر الصرافين الموقوفين؟ وكيف سيؤثّر عمل الصيرفة المرخّصة على السوق؟ وكيف سيتم تسعير الدولار؟
منذ بدء إضراب الصيارفة المرخّصين تسود الفوضى القطاع بحيث تحوّلت كل اعمال الصيرفة الى سوق سوداء تُدار على أكثر من صعيد. بالنسبة الى الافراد الذين يملكون الدولارات للبيع، هم مَن يضع السعر الذي يناسبهم للبيع، كما يتم عرض بيع الدولار عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تحوّل أصحاب المؤسسات الى لعب دور الصرّاف من خلال إقدامهم على شراء الدولار مباشرة من الافراد، أو حتى إقدام الصرّافين المرخّصين على بيع الدولار وفق تسعيرة السوق السوداء إنما الى زبائنهم القدامى، أو من يعرفونهم جيداً واعتادوا على التعامل معهم لكن بحذر خوفاً من أي شكوى او تبليغ في حقهم.
وبعدما تمّ أمس الافراج عن نقيب الصيارفة محمود مراد ونائب النقيب الياس سرور وسائر الصرّافين المحتجزين، أكدت مصادر نقابة الصيارفة لـ«الجمهورية» انه من المتوقع ان تجتمع النقابة خلال الـ 48 ساعة المقبلة للبحث في آخر التطورات وربما اتخاذ قرار يتعلق بالعودة عن الاضراب اعتباراً من الأسبوع المقبل، مشدداً على انّ هذه الخطوة رهن إزالة أختام الشمع الأحمر عن شركات الصيرفة.
وبعدما ترددت معلومات أمس عن إزالة الشمع الأحمر عن محلات الصيرفة، أكد أحد الصرافين العاملين في البقاع لـ«الجمهورية» انّ محلات الصيرفة المرخّصة في البقاع المقفلة بالشمع الأحمر لا تزال الاختام عليها منذ أكثر من شهر، والأسوأ ان لا وصول الى الخزائن داخل المحلات حيث يحتجز رأسمال الصيرفي وقوته اليومي، ما أثّر سلباً على عمل الصيارفة والعاملين لديهم على السواء. ورداً على سؤال لفت الى ان لا شيء مؤكداً حتى الساعة من عودة الصيارفة المرخّصين الى العمل اعتباراً من الأسبوع المقبل.
عودة السوق المرخّص؟
مع احتمال عودة العمل في سوق الصيرفة المرخّصة الأسبوع المقبل، أين أصبحت منصة التداول التي سبق وأعلن المركزي عن إعدادها بهدف ضَخ دولارات في السوق للمحافظة على استقرار سعر الصرف؟ وما مدى جهوزيتها؟ وهل ستكون طريقة عمل هذه المنصة الحل السحري للَجم الطلب على الدولار واستقرار سعره على 3200 ليرة؟
تؤكد مصادر متابعة لـ«الجمهورية» انّ المنصة الإلكترونية لا تزال قيد الاعداد، لا سيما من الناحية اللوجستية والتقنية، والتنسيق جار بين مؤسسات الصرافة والمركزي لإتمامها، بما يعني انّ هذه المنصة قد لا تجهز الأسبوع المقبل. وعليه، هل ستعود مؤسسات الصيرفة الى العمل من دون تدخّل مصرف لبنان كما سبق ووَعد؟
يقول الخبير المتخصص في عمليات الصيرفة والاستثمار عمر تامو لـ«الجمهورية» انّ الصرّافين كان ينتظرون بدء العمل بالمنصة التي وعد بإنشائها حاكم مصرف لبنان، والتي تسمح ببَيع 200 دولار للفرد في الشهر. لذا، من المستبعد ان يعاود الصرافون عملهم قبل ان تجهز المنصة. لكن في حال عودة الصرافين المرخّصين الى العمل، فإنّ أكثر من سيناريو مطروح:
السيناريو الأول: في حال فتح الصرافون أبوابهم من دون المنصة أي من دون الدولار المدعوم، والمسَعّر بـ 3200 ليرة، سيقصدهم من يريد شراء الدولار بـ 3200 ليرة، إذا توفّر، امّا بائعو الدولار فسيقصدون السوق السوداء لبيعه بحوالى 4000 ليرة.
السيناريو الثاني: في حال اشترى الصراف الدولار بـ3150 ليرة فإنه سيفضّل بيعه في السوق السوداء بسعر 4000 ليرة بدلاً من 3200 ليرة. كذلك سيفضّل الافراد بيع الدولار في السوق السوداء وليس عند الصراف المرخّص، خصوصاً انّ الفارق يتراوح بين 80 الى 100 ألف ليرة في كل 100 دولار.
السيناريو الثالث: في حال بدأ العمل بالمنصّة، فعلى المركزي أن يَضخّ دولارات لأنّ الصرافين لم يشتروا دولارات بأقل من 3100 ليبيعوها بـ 3200 ليرة.
وعمّا اذا كان هناك مآخذ على عمل المنصة، يقول تامو: هناك علامات استفهام عدة تطرح حول عملها الذي يتطلب عملاً رقابياً مشدداً، وبرمجة وتقنيات عالية وامتثالاً لتنجح. إذ ليس من السهل إدخال رقم الهويات لتعريف الافراد، فهذا يتطلب برمجة متطورة تتعرّف الى الافراد وتكشف ما اذا كانت أسماؤهم على اللائحة السوداء أو انهم متهمون بتبييض أموال مثلاً، وإذا أخطأ احد الصرافين بتسجيل رقم الهوية، يتمّ تسجيل بيع الدولار باسم شخص آخر.
ولفت الى انه من المفترض أن يَضخّ مصرف لبنان عبر هذه المنصة دولارات مراقبة وفق تسلسل رقمي معيّن، هذه التحضيرات تتطلّب وقتاً وجهوزية لوجستية تجعل من المستحيل ان تكون المنصة جاهزة الأسبوع المقبل، مُتسائلاً: هل يملك الصرّافون أصلاً حواسيب في مؤسساتهم؟ وهل هم مؤهّلون للقيام بهذه العملية التقنية من دون أن تسبقها اية تدريبات؟ ولماذا نقل هذه الترتيبات الى الصرّافين وسحبها من يد المصارف؟
وعمّا اذا كان الهدف من تحديد حصة الفرد بـ 200 دولار شهرياً لضبط حركة السوق، قال: يمكن لكل فرد من افراد العائلة ان يسجل شراء 200 دولار شهرياً، بما يعني انّ هناك متوسط شراء بنحو 1000 دولار شهرياً للعائلة الواحدة. وإذا كان المستفيدون من هذه المنصة هم من يبلغون أكثر من 18 عاماً، فنحن نتحدث عن اكثر من مليون فرد سيحاولون الاستفادة منها لشراء الدولار وفي غالبيتهم لتخزينها في بيوتهم او إعادة بيعها في السوق السوداء بسعر أعلى. فهل سيكون المركزي قادراً على تلبية طلب أكثر من مليون فرد لشراء الدولار، أي بما يوازي 200 مليون دولار شهرياً؟
كما هناك خشية من ان يعمد الصرافون الى الالتزام بمبلغ 200 دولار شهرياً تجاه صغار الزبائن او الزبائن الجدد، لكن هذا لا يمنع من ان يواصل بيع الدولار لكبار التجّار او لزبائنه بمبالغ كبيرة إنما وفق سعر السوق الموازي.
وتساءل تامو هل سيتم بيع الدولارات بسعر 3200 ليرة للبنانيين فقط؟ ماذا لو طلب الأجانب دولارات لتحويلها الى الخارج؟ هل سيسمح بإعطائهم العملة الصعبة المدعومة لإخراجها من البلد؟ أم ستعتمد العنصرية في هذا المجال؟
كل هذه التساؤلات تتطلب عملاً تقنياً جبّاراً يتطلّب بعض الوقت، وكل ما عدا ذلك يعتبر منصّة «دكّانة» والفوضى ستظل سائدة.
وأكد تامو انّ السوق السوداء لن تنتهي طالما لم تتم تلبية طلب التجار، فالسلة الغذائية التي أعلن عن دعمها أمس لم تشمل كل السلع الأساسية، منها اللحمة مثلاً والالكترونيّات و… كما لم تطل سوى كبار التجار، وهذا امر غير صحي وسيزيد من الاحتكارات والطلب على الدولار. فهل سيتمكن المركزي من خلال هذه المنصة من تلبية حاجة السوق للَجم تدهور سعر صرف الليرة؟