لم يعد المواطن قادراً على التنفّس، حتى “الصعداء” بات عاجزاً عنها، كيف له أن يتنفّس وكلّ ما يُحيط به لا يملك ثمنه، بدءاً من الكمّامة وصعوداً؟ يرى بـ”كورونا” متنفّسه الوحيد لحجر نفسه بعيداً من الغلاء المستشري خارجاً. يؤمن بأن هناك بركاناً سيُطيح بكل شيء، وبوادره بدأت إرتدادات عكسية على الأرض: تراجع في حركة البيع والشراء، مقاطعة قسرية بسبب فقدان السيولة لا أكثر. ينتظر إنخفاض سعر الدولار، علّه يُريحه قليلاً من عبء الأسعار المرتفعة. يُعوّل كثيراً على عودة الصيارفة الى العمل، علّها تحمل له بارقة فرج ويصل الدولار الى الـ3200 ليرة.
كيف بدا اليوم الأول للصرافين؟ وهل هناك بصيص أمل بخفض الأسعار؟
فتحت محال الصيرفة أبوابها، عادت الى حركتها الطبيعية التي كانت قبل شهر، مع فارق بسيط: لا ناس، ولا حركة تبادل للعملة إلا بـ”القطارة”، بالكاد تتجاوز عملية الصرف المئة دولار، فالكلّ ينتظر المنصّة الإلكترونية وما سينتج عنها من سعر صرف جديد، وإن كان كُثر يعتبرون انّها لا تساوي بين العرض والطلب.
عاود السوق المالي في مدينة النبطية نشاطه وإن بخجل كبير، لم يشهد حركة تبادل مالي كما كان متوقعاً، ربّما لم يُعجب سعر الـ3950 ليرة أحداً، وربما ينتظر البعض المنصّة الإلكترونية، الحقيقة المؤكّدة أن هناك خشية من تجاوز الدولار حدّ الـ10 آلاف ليرة، وسط غياب قرار صارم بتثبيت سعر الصرف، وترك الباب مفتوحاً على كل المتغيرات.
لا يُخفي أحد الصيارفة في حديثه لـ”نداء الوطن” أنه “دخلنا مرحلة خطيرة من سيطرة المال على المال، ولا يستبعد “أن يتخطّى الدولار الـ10 آلاف ليرة في الأيام القادمة، فكلّ المؤشرات تدلّ على ذلك”. برأيه، “كل دول العالم حين تواجه العملة الوطنية خطراً، يدعمها المصرف المركزي، ويُقيم توازناً بين العملة الصعبة والمحلّية، إلا في لبنان، تُركت الليرة تُواجه مصيرها وحيدة، فيما دعم المصرف المركزي وجمعية الصرافين ارتفاع الدولار، فانهارت العملة”.
ويرى بعض الصيارفة في النبطية “أن الوضع يتّجه نحو التأزّم أكثر، في ظلّ غياب قرار واضح وصريح، ووجود أكثر من سعر للصرف، فوجدوا أنفسهم بين مطرقة المصرف المركزي وسندان السوق السوداء، ما أوقعهم في الفخ”.
داخل محال الصيارفة قلق وخوف من الآتي، يلتزم مُعظمهم السعر الرسمي، تلاشت هواجسهم من صيارفة السوق السوداء، إختفى “صيارفة السوق السوداء” من الطرقات، لم يظهر لهم أثر في يوم العمل الأول، كحال الناس الذين لم يخرجوا لاستبدال العملة او حتى لشرائها. سيطر حال من التريّث والترقّب على السوق، بانتظار ما سيرشح عن المنصة الإلكترونية المنتظرة، وما سيصحبها من خفض جديد للدولار. برأي أحد الصيارفة “المنصة إن لم تساوِ بين العرض والطلب، فإنها لن تكون ذات جدوى”. الصيرفي نفسه الذي أكّد إلتزامه بسعر الصرف المُتفّق عليه، رأى “أن حركة الناس خجولة، خلافاً لما كنا نتوقع، فالناس ربّما يبحثون عن سعر أعلى، وهذا مردّه الى سيطرة السوق السوداء على السعر”.
تركّزت شكوى الصيارفة الشرعيين على مزاحمتهم في المهنة من قبل صيارفة السوق السوداء. برأيهم، أثّروا بشكل كبير على حركة بيع وشراء الدولار، خلقوا باباً واسعاً للتلاعب بسعر الصرف، مُستغلّين غياب الرقابة والمحاسبة، وفق ما يقول أحد الصرافين الذي أكّد إلتزامه بسعر الـ3950 المُحدّد من قبل مصرف لبنان، وإن كان يطمح لخفضه أكثر، ليتنفّس الناس الصُعداء.
وهذا ما يطمح اليه المواطن غازي عيسى الذي يُعوّل كثيراً على فتح الصيارفة أبوابهم، علّه يحمل اليهم الفرج في إنخفاض الدولار والأسعار. وفق قوله: “تعبنا، أصبحنا في بلد مش عارفين كوعنا من بوعنا”، أملاً في أن “تتوصل الحكومة ومصرف لبنان الى حلّ وسطي للسعر بدلاً من كتلة الأسعار المعقدة”، على حدّ قوله.