أدّى اجتماع حاكم مصرف لبنان ونقابة الصيارفة أمس، وما أُشيع بعده عن اجراءات ايجابية، الى تراجع سعر صرف الدولار مقابل الليرة من 2500 الى 2350 ليرة، علماً انّ بادرة الامل هذه لا تعدو كونها معنويّة غير مستندة الى أي تدبير حقيقي.
في ظل تواصل ارتفاع سعر صرف الدولار الى مستويات قياسية تجاوزت 2500 مقابل الليرة اللبنانية مع ترجيحات بمزيد من الصعود، تتوجّه أصابع الاتهام اليوم نحو الصيارفة ومصرف لبنان والمصارف التجارية، محمّلة إيّاها مسؤولية هبوط سعر الليرة الى هذه المستويات المتدنية، وليس الى معادلة العرض والطلب التي يغذّيها نقص السيولة الحاد في العملة الاجنبية، كما يؤكد «المتّهمون».
ومع تعدّد الروايات حول نشوء مافيا بين الصيارفة وموظفين في بعض المصارف لاستبدال شيكات مصرفية بالسيولة النقدية بنسبة أرباح تصل الى 30 في المئة، وبين تواطؤ المصارف مع بعض الصيارفة عبر مدّها بالسيولة الاجنبية مقابل تقاسم الارباح الناتجة عن عمليات الصرف، لم يتدخل مصرف لبنان بعد في سوق الصيرفة باعتبارها، وفقاً للحاكم رياض سلامة، مهنة حرّة تخضع للعرض والطلب ولا يحق له التدخّل بها، معتبراً انّ القطاع بمجمله لا يشكّل سوى 10 في المئة من حجم الطلب والعرض على السيولة في لبنان، ومُقلّلاً بالتالي من أهمية بلوغ سعر صرف الدولار لدى الصيارفة الـ 2500 ليرة، ومشدداً على انّ السعر الرسمي في القطاع المصرفي لا يزال عند 1515 ليرة.
ورغم انّ المادة 19 من قانون تنظيم مهنة الصيارفة، تنصّ على انه «يحق لحاكم مصرف لبنان، بعد أخذ موافقة المجلس المركزي، إصدار قرار بإيقاف عمل مؤسسات الصرافة او الحد من نشاطها بصورة مؤقتة اذا استدعت ذلك ظروف اقتصادية او نقدية استثنائية»، إلّا انّ مصرف لبنان لم يتدخل طوال الفترة الماضية التي شهدت تحليقاً لسعر صرف الدولار امام العملة المحلية، بعمل الصيارفة، حتى الأمس حيث اجتمع مع نقابة الصيارفة وتوافدت معلومات عن تَلقّي سلامة خلال الاجتماع وعداً من الصيارفة بتحديد وتخفيض سعر صرف الدولار خلال اسبوع.
لكنّ أحد الصيارفة المشاركين في الاجتماع أكد لـ«الجمهورية» انّ الاجتماع مع حاكم مصرف لبنان هو اجتماع دوريّ وَصفه بالايجابي، رغم انه لم يتم خلاله اتخاذ أي قرارات أو اجراءات جديدة، إلّا انه قد تكون هناك لاحقاً بعض الخطوات الايجابية التي قد تريح السوق، موضحاً انّ تحديد سعر الصرف او خفضه ليس في يد الصيارفة، بل انّ العرض والطلب هما العاملان الوحيدان اللذان يتحكّمان بالسوق، وليس أي قرار من قبل أي جهة مسؤولة.
وردّاً على سؤال عمّا اذا كان مصرف لبنان قد أعلمهم بأنه سيتدخل عارضاً الدولار في السوق من اجل خفض سعر الصرف، نفى المصدر المشارك في الاجتماع هذا الامر، قائلاً انّ الحاكم حريص على سعر صرف الليرة ونأمل ان يتم اتخاذ إجراءات تريح السوق، لكنه لم يذكر في المقابل اي تدخّل من قبل المركزي في هذا الاطار.
وأشار المصدر الى انه بعد اجتماع الصيارفة وحاكم مصرف لبنان وتوارد تلك المعلومات عن خفض سعر الصرف، تهافَت المواطنون لبيع الدولار ممّا أدى الى تراجع سعر صرفه من 2500 الى 2350 أمس.
من أين تأتي دولارات الصيارفة؟
وفيما يتساءل البعض عن مصدر الاموال التي يتداول بها الصيارفة، وعمّا اذا كانت متأتية مباشرة من المصارف بعد تداول صوَر لشاحنات نقل الاموال التي تستخدمها المصارف مركونة أمام محال الصيرفة، أكد المصدر انّ الصيارفة تستخدم تلك الشاحنات حالياً لأسباب أمنية بهدف نقل الاموال بين الصرّافين او لشحن العملات الاجنبية الى الخارج حصراً، وليس من المصارف الى الصيارفة كما يعتقد البعض.
وشرح انّ هناك 300 صيرفي في لبنان، اذا اشترى كل واحد منهم 30 ألف دولار يومياً من المواطنين، يكون حجم السيولة يومياً المُتداوَل بها لدى الصيارفة قد بلغ 9 ملايين دولار. موضحاً انّ حجم الكتلة النقدية المتواجدة في السوق لم يتغيّر، وتعتمد الدورة النقدية المقفلة على الآتي: يُقدم مدّخرو السيولة في منازلهم على صرف الدولارات لدى الصيارفة، ويشتري التجار الدولارات من الصيارفة لتحويلها عبر المصارف الى الخارج بهدف الاستيراد، ويسحب المودعون من جديد تلك الدولارات من المصارف بسقوف محددة ويعيدونها الى الصيارفة من اجل صرفها.
وبالنسبة الى تحديد سعر الصرف بين الصيارفة، أوضح المصدر انّ العرض والطلب يحددان السعر في السوق، وهناك تواصل بين الصرّافين إلّا انّ السعر ليس موحّداً بينهم وهناك فروقات بسيطة.
وفي ما يتعلّق بقيام بعض الصيارفة بصرف شيكات مصرفية وتقاضي عمولات تصل الى 30 في المئة من قيمتها، قال المصدر إنه مقابل الـ300 صيرفي المرخّصين في لبنان، هناك 400 غير مرخّصين. وبالتالي، فإنّ من يقوم بعمل مرخّص وقانوني لا يملك القدرة على صرف تلك الشيكات لأنه لا يتعامل مع المصارف لإيداعها.
تعميم مصرف لبنان
من جهة أخرى، ومع دخول تعميم مصرف لبنان حيّز التنفيذ اليوم حيث ستبدأ شركات تحويل الاموال بدفع الاموال المحوّلة من الخارج بالدولار، اعتبر المصدر انّ هذا الاجراء لن يؤثر على السوق من ناحية خفض الضغط وارتفاع عرض الدولار، ما لم يتم شحن دولارات من الخارج مقابل تلك التحويلات.