Site icon IMLebanon

طبّقوا “مكافحة التبييض”

 

محاسبة المرتكبين واستعادة الأموال المنهوبة… “حلم” واقعيّ

 

في وقت يكافح فيه اللبنانيون لتأمين مستلزمات حياتهم اليومية، في ظلّ فرض تدابير استنسابية تقيّد التحويلات والسحوبات المصرفية، وتحدّدها بـ300 دولار أسبوعياً، أُثيرت قضيّة التحويلات المصرفية الى الخارج خلال الاسبوعين المنصرمين بنحو 2.5 مليار دولار رُجّح أنها أُرسِلت إلى سويسرا، الأمر الذي فاقم أزمة العملة الخضراء التي يفتقر إليها المصرف المركزي ومعه البلاد ككلّ، حيث اعتبر البعض أنّ في ذلك محسوبية وتمييزاً وانتهاكاً لحقوق المواطنين.

من حيث المبدأ لا يمكن اعتبار هذه التحويلات غير مشروعة خصوصاً وأن نظام اقتصادنا ليبراليّ ولكنها بالتأكيد غير أخلاقية في ظلّ النهج المعتمد من قبل المصارف والمتمثّل بـ”تشحيذ” اللبنانيين مدّخراتهم، وتقسيط رواتبهم.

 

من هنا، لا بدّ من إعادة النظر بأمور ثلاثة:

 

– التأكد مما إذا كانت هذه الأموال قد حُوّلت بالفعل الى الخارج، ومتى، والتأكد أيضاً من هويّة صاحبها لمعرفة اذا كان يتعاطى في الشأن العام.

 

– التأكد مما إذا كانت هذه الأموال تعود إلى شركات مملوكة من متعاطين في الشأن العام و/ أو شركائهم، فيتم تجميد هذه الأموال للتحقيق فيما إذا كانت هذه أموالاً مشروعة أو غير مشروعة.

 

– إذا اعتبرت هذه الاموال غير شرعية، تُعاد في نهاية المطاف إلى أصحابها المستفيدين الشرعيين، أي الشعب اللبناني.

 

“التمييز” واضح

 

إذا ما تمّ تأكيد صحّة هذه التحويلات الى الخارج، في حين أن جميع اللبنانيين يخضعون لضوابط رأس المال “الفعلية” خارجياً إضافة الى الحدّ من سحوباتهم داخلياً، ففي ذلك ممارسة تمييزية واضحة من قبل البنوك، بين المواطنين الموجودين في السلطة و / أو المرتبطين بالكارتل الحاكم، مقابل أولئك الذين لا يرتبطون بالسلطة ولا يملكون نفوذاً سياسياً، مما يورّط البنوك بشكل مباشر بالتواطؤ مع الادارة السياسية واتهامها بخرق واجباتها على حساب الشعب اللبناني.

 

عن الموضوع يوضح المتخصص في القانون المالي والمصرفي المحامي عماد الخازن أنّ”قضيّة التحويلات المصرفية الى الخارج والتي أُثيرت خلال الأسابيع الماضية، ليست برأيي سوى تبادل للأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتّى إثبات صحتها من خلال التحقيقات، تبقى أخباراً غير صحيحة. وفي كلّ الاحوال تجدر الاشارة الى أن مقدمة الدستور اللبناني تنص على أن لبنان بلد ليبرالي يعتمد على حرية التجارة والمبادرة الفردية وبالتالي، يحقّ لكل شخص التصرف بأمواله ساعة يشاء، وكيفما يشاء. من هنا وان كان بعض الاشخاص قد عمد الى تهريب أمواله الى الخارج فلا يمكن ملاحقته قانونياً شرط أن تكون هذه الاموال نظيفة. وفي هذا السياق تعتبر مسؤوليته معنوية فقط بما انه يكون قد استغل علاقته بالمصرف لنقل أمواله فيما أموال غالبية الشعب عالقة في النظام المصرفي المحلي”.

 

التحقيق… أول الطريق

 

ويضيف الخازن “يجب التحقيق بمصادر الاموال أكانت محوّلة الى الخارج أم عالقة في الداخل. ولدى التأكد من أن الاموال مشبوهة اي ان مصدرها احدى جرائم تبييض الاموال والتي عددها قانون مكافحة تبييض الاموال رقم 44/2015 ومنها على سبيل المثال الجرائم الواقعة على مالية الدولة كالفساد والرشوة واستغلال الوظيفة والاختلاس وصرف النفوذ وإساءة استعمال السلطة والإثراء غير المشروع الخ…، عندها تتمّ معاقبة صاحبها قانونياً، من هنا أرى ان ما قام به وزير العدل من مخابرة للسلطات السويسرية خطوة ناقصة لن تؤدي لأي نتيجة، ولو وجدت إفادة منه فهي لن تشمل كل المرتكبين بما أن وزير العدل قد حصر الطلب بسويسرا دون غيرها من البلدان التي يمكن أن تكون قد استقبلت جزءاً كبيراً من الاموال المُهرّبة. وكان حريّ بالوزير الطلب من لجنة الرقابة على المصارف التحقق من صحة الاخبار المتداولة عن هذه التحاويل كما وعن اموال السياسيين المشكو منهم في المصارف ولدى الشكّ في احد الحسابات، عندها يتم الطلب من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، استناداً الى قانون مكافحة تبييض الاموال المذكور اعلاه، رفع السرية المصرفية عن اسم صاحب الحساب وتجميد تلك الاموال واحالة القضية على القضاء المختص بعد التأكد أن مصدر الاموال جرمي”.

 

يُعتبر قانون مكافحة تبييض الاموال رقم 44/2015 اذاً، القانون المثالي لاسترداد الاموال المنهوبة التي يطالب الشعب باستعادتها كما وبرفع السرّية المصرفية عن الحسابات، اضافة الى رفع الحصانة. من هذا المنطلق، واذا وجدت هيئة التحقيق الخاصة أدلة لجرم تبييض اموال، عندها تُجمّد هذا الاموال ويُحال الملف على القضاء المختص.

 

في زمن الثورة، لم يعد السياسيّون مهما علا شأنهم قادرين على الضغط على القضاء الذي أصبح حكمه منزلاً بعد أن حرّرته الانتفاضة الشعبية من براعم السياسة، وفسادها.