نغمة التهديد والوعيد أصبحت علامة فارقة في معجم «حزب الله» تميّزه عن غيره في التعاطي مع القضايا الهامة المستجدة التي تطرأ من حين إلى آخر. فبعد تأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خلال حديث تلفزيوني أن «المصرف المركزي أقفل مئة حساب مرتبط بـ»حزب الله « تطبيقاً للقانون الاميركي مع تشديده على كون الأولوية بالنسبة للمصرف المركزي هي لإبقاء لبنان على الخريطة المالية الدولية، سارع الحزب إلى إشهار سلاحه المعتاد في وجه كل من يحاول تطبيق القوانين سواء الداخلية أو الدولية.
بعد الموقف الذي اتخذه سلامة، خرجت كتلة «الوفاء للقاومة» لتُحذّر «من مجريات تنفيذ القانون ومن مواقف حاكم مصرف لبنان من هذا الملف«، معتبرة أن «استهداف الادارة الاميركية للمقاومة وجمهورها عبر القطاع المصرفي اللبناني سيبوء بالفشل ولن ينجح في تحقيق أهدافه، وأن الحكومة والمصرف المركزي معنيان مباشرة بحماية سيادة لبنان واستقراره النقدي والاجتماعي«. بالطبع أراد الحزب ومن خلال كتلته النيابية، أن يوصل رسائل كثيرة في اتجاهات عدة عن طريق الضغط على سلامة. وهو أراد أن يقول إنه قادر على ضرب السياسة النقدية في لبنان وتعطيل الإنتخابات الرئاسية وخلق حالة من الفوضى في السوق المصرفي الداخلي عن طريق تحريك جماعاته وكبار المستثمرين من الطائفة الشيعية. ومن هنا جاء قول «الكتلة»: «على الجميع أن يدرك أنّ جمهور المقاومة ومؤسساته التربوية والصحية عصيٌّ على محاولات النَيل منه من أيّ كان مهما علا شأنه«.
هو ليس التهديد الأول من نوعه الذي يوجهه «حزب الله» إلى مصرف لبنان والحاكم رياض سلامة، إذ انه ومنذ الشهر تقريباً، إنبرت كتلته أيضاً للقول أن «التعاميم التي أصدرها سلامة وفقاً للقانون الاميركي السيئ الذكر، هو انصياع غير مبرر لسلطات الانتداب الاميركي النقدي على بلادنا، ومن شأنها أن تزيد تفاقم الأزمة النقدية وتدفع البلاد نحو الافلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين والمصارف، الأمر الذي يعرض البلاد لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للإحتواء«.
بعد محاولاته المتكررة لضرب الإستقرار الأمني والسياسي والإجتماعي في البلد، ها هو «حزب الله» يستعيد اليوم الاسلوب نفسه في التهديد لكن هذه المرّة من باب ضرب الوضع الاقتصادي ومن يدري فربما الأمني أيضًا. فبعد سلاح «المقاومة» و»شبكة الاتصالات» و»المقامات المقدسة»، يطرح اليوم «حزب الله» قضية جديدة على الساحة عنوانها «أموال المقاومة» يُريد من خلالها التهويل وحرف الانظار عن ارتكاباته في سوريا، ومن يدري قد يلجأ تحت حجّة هذا العنوان الجديد إلى حروب دموية تُشبه السابع من أيار والإنقلاب على الدولة ومؤسساتها والإنغماس في الحرب السورية.
تهويل «حزب الله» قابله كلام لمساعد وزير الخزانة الأميركية لمكافحة تمويل الإرهاب دانيال غلايزر أن بلاده «عازمة على تنفيذ العقوبات ضد الحزب. لكنه طمأن في المقابل أن هذا الأمر سوف يتم بالتنسيق مع الحفاظ على قوّة النظام المالي اللبناني وسلامته»، مشيراً إلى أن «محاولة قادة «حزب الله» التقليل من تأثير عقوباتنا والعقوبات الخليجية، ليست إلا مؤشّراً إضافياً على ان جهودنا مُثمرة».
أصبح من الواضح أن «حزب الله» لا يكترث لمصالح الدولة اللبنانية لا من قريب ولا من بعيد، وأن ما يهمه فقط مصلحته التي تعلو كل ما عداها حتى ولو تعلّق الأمر بجمهوره وبيئته التي ما زالت تدفع أثمان إرتكاباته في وقت يكتفي هو بإطلاق البيانات والشعارات المُستنكرة. علماً أن المتتبع لمسيرة الحزب منذ فترة غير بعيدة، يُمكن ان يلحظ كم الإرتكابات والمخالفات التي جعلته يُدرج لأكثر من مرّة على لوائح الإرهاب أو المنظمات التي تروّج لعمليات تهريب مخدرات أو غسيل أموال، وهو أمر عادت وكشفت عنه بالأمس جريدة «واشنطن تايمز» الأميركية في تقرير اطلعت عليه «العربية.نت» يقول إن إدارة مكافحة المخدرات الأميركية أبلغت أعضاء في الكونغرس بشكل رسمي أنها توصلت إلى أدلة تثبت تورط «حزب الله» المدعوم من إيران في أعمال تهريب وتجارة مخدرات ضخمة حول العالم.
وجاء في التقرير أن مدير العمليات في إدارة مكافحة المخدرات بالولايات المتحدة مايكل براون قال: «إن حزب الله تمكن من نقل أطنان من مادة الكوكايين من أميركا الجنوبية إلى أوروبا، كما نجح في تطوير النظام الأكثر تعقيداً لغسيل الأموال في العالم، أو نظام لم نشهد له مثيلاً من قبل. وبغض النظر عن صحة التقرير من عدمه، إلا أن «حزب الله» يُصر عى خوض عدة حروب في وقت واحد وكأن سمعة البلد وأهله أو دماء عناصره الذين يتساقطون كل يوم في سوريا، ليسوا سوى جزء من مشروع كبير واضح المعالم، لن يوصل سوى إلى خراب لبنان والقضاء على آخر شيعي فيه.