مقترح نيابي
فشلت السلطة السياسية منذ بداية الإنهيار في إيجاد مصدر مالي مستدام لتمويل الحماية الإجتماعية، رغم الزيادات الضريبية الهائلة التي فرضتها في موازنة 2022. فمكافحة الفقر تتم بواسطة قرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار. وجزء من الأمن الغذائي يعالج بدعم ربطة الخبز بقرض من البنك الدولي أيضاً بقيمة 150 مليون دولار، فيما يتكفل برنامج الغذاء العالمي «WFP» بإعانة عدد من الأسر «الجائعة» بالمساعدات العينية. أما المفارقة الأكبر فتتمثل في استعمال حوالى 223 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة SDR، لتأمين الأدوية والمستلزمات الطبية.
تبين أرقام «الدولية للمعلومات» أن الحكومة أنفقت منذ تاريخ استلام «حقوق السحب الخاصة» في أيلول 2021، ما نسبته 33 في المئة من أصل 1.139 مليار دولار، 60 في المئة من الإنفاق ذهب إلى وزارة الصحة لدعم شراء الأدوية والمستلزمات الطبية. ومع هذا يئن مرضى السرطان من عدم توفر الأدوية، ويعاني مرضى غسيل الكلي الأمرّين مع المستشفيات غير الراضية على طريقة التعامل مع وزارة الصحة. أما بالنسبة إلى حليب الأطفال فحدث ولا حرج عن انقطاعه بسبب استمرار التهريب والتخزين بانتظار رفع الدعم كلياً أو جزئياً، واضطرار الأهالي إلى شراء الحليب من السوق السوداء بأغلى الاسعار.
رسم على شركات تحويل الأموال
إستناداً على هذا النمط من الإنفاق، يُتوقع أن تستنفد الحكومة كامل المبلغ من حقوق السحب الخاصة في غضون أشهر قليلة. عندها يتحول المصابون بالسرطان والمحتاجون للأدوية والعلاجات الباهظة الثمن، إلى «أموات مع وقف التنفيذ». ذلك أن لا أحد منهم يملك القدرة المادية على تحمل كلفة العلاجات التي تتجاوز أسعارها آلاف الدولارات شهرياً، على نفقتهم الخاصة. أمام هذا الواقع الذي ينذر بالأسوأ، تقدم عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله باقتراح قانون معجل مكرر، بمادة وحيدة، يرمي الى فرض رسم بنسبة 5 في المئة على ربح المؤسسات غير المصرفية التي تقوم بعمليات التحاويل النقدية. وذلك من أجل تمويل الانفاق على معالجة مرضى الأمراض المستعصية. حيث تسدد وزارة المالية العائدات المحصلة من الرسم المذكور أعلاه خلال شهر من تحصيلها الى وزارة الصحة على ان ينفق المبلغ في معالجة مرضى الأمراض المستعصية.
مصدر مستدام وعادل
في الشكل يؤمن إقتراح القانون مخرجاً من الإجراءات الترقيعية المعتمدة، ويشكل مصدراً مستداماً لتمويل علاجات المرضى. أمّا في المضمون فأهميته لا تنحصر في كونه مثالاً عن التضامن المجتمعي، إنما ضمانة لإعادة توزيع الثروة الناتجة عن الأزمة بطريقة عادلة. فـ»شركات تحويل الأموال من الخارج إلى الداخل، وتلك المضطلعة في عمليات التحويل الداخلية استفادت بشكل كبير من توقف النظام المصرفي وفقدان ثقة المواطنين به للحلول مكانه في عمليات التحويل»، يقول عبدلله. «كما أن هذه الشركات تفرض رسوما على عمليات التحويل تعتبر الأعلى في العالم، تتراوح بين 13 و16 في المئة على الحوالة الواحدة. كما أن مصرف لبنان أعطاها مؤخراً عمولة بنسبة 3 في المئة على كل دولار تشتريه لمصلحته على سعر السوق. وبالتالي فان هذه الشركات المعدودة استفادت بشكل كبير جداً من الإنهيار واستفادت كثيراً من تسهيلات مصرف لبنان بما يفوق التسهيلات المعتادة التي تؤمنها إدارات الدولة ومؤسساتها عادة، ما يجيز فرض هذا الرسم عليها. ولا سيما أنها تحقق أرباحاً كبيرة، وعليها واجب بالمساهمة في تمويل النفقات الأساسية على الصحة».
الشركات وأرباحها
يصل عدد شركات تحويل الأموال العاملة في لبنان إلى حوالى 13 شركة، 40 في المئة منها مرخص لها بتحويل الأموال من وإلى لبنان. ومن هذه الشركات تبرز أسماء مثل:WOO CASH ،WorldRemit Cashunited MoneyGram ،Western Union ،OMT ،BOB FINACE ،CTEX. فيما تضطلع بعض الاسماء بعمليات التحويل الداخلية، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر: شركة العبير، راماسال، شركة وليد المصري للصرافة، شركة الطيف للصرافة وتحويل الاموال… وعلى الرغم من محدودية بعض المؤسسات وصغر حجمها، إلا أن بعضاً منها يحقق أرباحاً بملايين الدولارات سنوياً. ويكفي أن ننظر إلى المداخيل التي تحققها من الحوالات الواردة فقط، لتبيان حجم الارباح. فبحسب الأرقام يقدر حجم الحوالات الورادة عبر شركات تحويل الاموال بـ 2 مليار دولار. إذا افترضنا أن متوسط العمولة عليها يتراوح بين 12 و16 في المئة، فان هذه الشركات تحقق ربحاً بمئات الملايين من الحوالات الورادة فقط. ما يعني أن فرض رسم بنسبة 5 في المئة يؤمن حوالى 16 مليون دولار سنوياً. وإذا أخذنا في عين الإعتبار عمليات التحويل الخارجة والعمليات الداخلية، وبعض العمولات على الخدمات المقدمة، فان العوائد من هذا الرسم قد تتجاوز 20 مليون دولار سنوياً.
الحاجات أكبر
على الرغم من أهمية الرقم المتوقع من الرسم المقترح على شركات التحويل، إلا أنه يبقى متواضعاً جداً بالمقارنة مع الحاجات الفعلية. فلبنان ينفق في الوقت الحالي 35 مليون دولار شهرياً لدعم أدوية الأمراض المستعصية والمستلزمات الطبية الأساسية وحليب الاطفال. وهو بحاجة إلى ما لا يقل عن 10 ملايين إضافية من أجل رفع مستوى هذا الدعم، بما يؤمن حاجات مرضى السرطان والامراض المستعصية.
عقبة أخرى لا تقل أهمية عن محدودية العائدات المتوقعة من هذا الرسم، وتتمثل في إمكانية تهرب الشركات منه. ففي ظل تنامي الاقتصاد النقدي لما فوق 50 في المئة من الاقتصاد، وغياب التصريحات الدقيقة، وتضخيم النفقات التشغيلية المتعلقة بتمويل الفروع والمتطلبات اللوجستية والأمنية… فان الربح الخاضع لهذا الرسم قد يكون أقل بكثير من المتوقع نظرياً».
البحث في الحلول العملية والمستدامة يتطلب بالإضافة إلى حسن النية وجود دولة قادرة. فمن دون مكافحة التهرب الضريبي ووضع حد لانفلاش الإقتصاد النقدي ووجود نظام يشجع على الإستثمارات الداخلية بدلاً من تهشيلها، فان كل الاجراءات تبقى محدودة الفعالية.