IMLebanon

سفيرة سويسرا لم تطّلع على المراسلة فمن رآها؟

في الوقت الذي بقي مضمون المراسلة القضائية السويسرية طلباً لدعم القضاء اللبناني في شأن التحويلات المالية سرياً، تحرّكت سفيرة سويسرا مونيكا شموتز كيرغوتسكد في بيروت، سعياً لإبعادها عن يوميات اللبنانيين. وبعدما استاءت من التسريبات، كشفت انّها لم تطلّع على مضمونها. فكيف توصل اللبنانيون الى ما فيها؟ وعليه، طُرحت بعض الأسئلة، ومنها، هل يمكن ان تشكّل المراسلة ملفاً، أم أنّها مجرد مساعدة تقنية لا ترقى الى المرحلة القضائية؟ كيف ولماذا؟
قلائل يراقبون حراك السفيرة السويسرية في لبنان، وهي التي عُرِفت بنشاطها المميز. فهي من اللواتي تقود وتشرف على مجموعة من المؤسسات والجمعيات الإنسانية التي تمولها بلادها في اكثر من مجال انساني واجتماعي وتربوي وصحي. وهي لم توفّر محطة تلت نشوء الأزمة النقدية وإنفجار مرفأ بيروت، من دون ان تسجّل حضورها الفاعل في المناطق المنكوبة في بيروت، كما حضرت من قبل في مخيمات النازحين السوريين واللاجئين من جنسيات مختلفة. فهي، حسب العارفين بكثير مما تقوم به بلادها، من العاملات، كما اسلافها، بصمت تتقنه جيداً لألف سبب وسبب، يتعلق بطبيعة الخدمات التي تقدّمها ونظام الحياد الذي يحكم عمل السفارات السويسرية في العالم، بنحو مغاير عن بقية الدول والسفارات الاخرى.

 

في الأمس، وعلى وقع ما تسرّب عن المراسلة السويسرية التي تلقّاها القضاء اللبناني حول ما سُمّي التحويلات المالية، فقد بنيت عشرات النظريات التي لم تقارب القضية بدقة، ما جعل اكثر من مرجع ديبلوماسي وقضائي يسجّل اكثر من ملاحظة، سبقت في شكلها ومضمونها ما عبّرت عنه السفيرة السويسرية امام وزير الخارجية من استغراب كافٍ، ليبقى الموضوع مغلّفاً بكثير من السرّية. ولذلك، بقي اللغط قائماً قياساً على ما بقي من مضمون المراسلة من سرية، لم تقاربها التسريبات الاعلامية وما حوته من اخطاء جسيمة.

 

فقد كشفت الديبلوماسية السويسرية امام وزير الخارجية شربل وهبة، انّها لم تطلع على المراسلة، وبقيت كما تسلّمتها، مع إيعاز بتسليمها الى القضاء اللبناني. ولم يكن امامها سوى تسليمها باليد الى وزيرة العدل ماري كلود نجم، لأنّها المعبر الإجباري لوصول «الأمانة» الى القضاء اللبناني، وهي بالتالي لم تطلع على مضمونها، ليس لأنّها لا تعنيها بل لأنّها «سرّية للغاية» ويجب ان تبقى ملكاً للطرفين السويسري واللبناني، المعنيين بكثير من تفاصيلها، دون غيرهما من مراجع سياسية او ديبلوماسية او ادارية ومالية.

 

وفي المعلومات الدقيقة المتوافرة عمّا جرى في الاجتماع، انّ وهبة لم يسجّل للسفيرة أي مخالفة لتجاهلها وزارة الخارجية في هذه القضية. فهو يدرك بخبرته انّ هناك آلية للتعاطي بين القضاءين السويسري واللبناني، كما بقية الاجهزة القضائية في العالم، وتحكمها معاهدات ومواثيق دولية، ما زال لبنان يحترمها. وهي بالتأكيد تتحدث عن آليات خارج الأطر الحكومية عموماً والديبلوماسية خصوصاً.

 

لا بل انّ وهبة شكر ربّه مرتين:

– الاولى، لأنّ وزارة الخارجية لم تكن معبراً حكمياً للمراسلة السويسرية، في اعتبارها قضية متخصصة ودقيقة جداً، تعني ضماناً لتحقيق سري للغاية ما زال في بداياته، ولا يمكن التوسع في المناقشات بشأنه قبل ان يقول القضاء كلمته في ما جرى ويجري.

 

– الثانية، انّ الوزارة لم تكن محطة للمراسلة، لئلا تُتهم بتسريبها. واضاف وهبة «ممازحاً»: «نحن نعيش في لبنان وليس في بلد آخر، ومن الصعب جداً الاحتفاظ بكثير من الأسرار. فكيف اذا كان الملف يعني اللبنانيين بهذا الشكل. فالحديث عن عمليات تحويل الاموال، سواء كانت شرعية وقانونية ام لا، تعني اللبنانيين الذين يبحثون عن مدخرات العمر في صناديق المصارف فلا يجدونها. وكيف وقد قيل لهم انّ بعضاً من المحظيين وممن يتمتعون بمواقع مؤثرة في القطاع المصرفي واصحاب النفوذ السياسي، قد نجحوا في تحويل اموالهم الى الخارج ولو بطرق ووسائل قانونية وشرعية، ولكنها في الوقت عينه لا يمكن اعتبارها «أخلاقية» قياساً على حجم الأزمة التي تسببت بها هذه العمليات، من إفراغ الاسواق المالية في لبنان من مختلف العملات الصعبة نقداً.

 

هذا في الشق السياسي والديبلوماسي، اما في الشق القضائي، فقد اعتبرت مصادر قضائية، انّ ما شهدناه حتى اليوم في شأن المراسلة السويسرية لا يمكن ان يشكّل ما يُسمّى «الملف»، ففي المعلومات الثابتة، انّها وبعيداً عن الأرقام المتداولة ودقتها المفقودة، فإنّ ما جرى لا يرقى الى تكوين «ملف قضائي» بمقدار ما هي مجموعة من الأسئلة الاستيضاحية للتثبت من صحة تحويلات مالية بين لبنان وسويسرا، وربما كانت عبر بلد ثالث.

 

ومن هذه النقطة بالذات، اعتبرت المراجع القضائية انّ ما تبلّغه القضاء هو مجرد اسئلة تتناول معطيات تقنية ومالية، تبحث عمّا يثبتها من وثائق ومستندات، وإن توافرت، يمكن ان تضيء على جوانب غامضة من إمكان اجراء عمليات مالية خارج إطار مصرف لبنان. فبوجود اسم حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في القضية، يحسم أمراً واحداً لا نقاش فيه، وهو يتصل باستحالة إجراء أي تحويلات مالية عبر أو من مصرف لبنان لحساب اشخاص اياً كانت هوياتهم. فليس في المصرف المركزي كما في المصارف التجارية حسابات لأشخاص، وهو لا يتعاطى إلّا مع المصارف المركزية في العالم.

 

وعلى المستوى عينه، فقد اعتبرت المراجع القضائية، انّ تصرف حاكم المصرف المركزي رسم حدوداً لما هو متوقع من إجراءات. فعندما ابلغ الى المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات عند حضوره امامه، انّ لا حاجة لوساطته التي يطالب بها السويسريون، تغيّر الموضوع واتجه الى مكان آخر، وانّ مجرد حضوره المباشر امام المراجع المعنية سيحدّد لاحقاً التطورات التي تلي تلك المرحلة. وهو ما يعني انّ القضية قد تُقفل حيث هي مطروحة في سويسرا، قبل ان تصل الى القضاء، إن قدّم سلامة المعلومات الكافية لما يطالب به الجانب السويسري. فالمراسلة في حدّ ذاتها تتحدث عن طلب احد المصارف التثبت من مصادر اموال محولة، للتأكّد من قانونيتها وشرعيتها، من دون ان تكون من باب تبييض اموال جرى تحويلها بطريقة غير شرعية. وعليه، فإنّ القضاء السويسري ليس سوى الوسيط المسهّل للعملية مع القضاء اللبناني.

 

وبناء على ما تقدّم، تنصح المراجع المالية والديبلوماسية كل من يرغب بالجديد حول هذه القضية، الى انتظار موعد حضور سلامة امام المرجع السويسري المختص، وهو متوقع في النصف الاول من شباط المقبل، للتثبت أولاً من مضمون المراسلة، ولفهم المراحل اللاحقة. وكل ما هو دون هذه الآلية سيبقى موضوعاً له وجوهه السياسية، تتقدّم وتتراجع على خلفية الانقسام القائم في لبنان، وهو ما لا ينتج منه أي حقيقة مطلوبة بدقّة في مثل هذا الموضوع الدقيق الذي يشغل بال اللبنانيين ويقض مضاجعهم، بعيداً عن المناكفات السياسية التي أدّت الى تراجع الثقة اللبنانية والدولية بالقطاع المصرفي والمالي، الى مرحلة يُستعاد منها شيء ما، وان كان ذلك ما زال بعيداً.