بدأ تقلّص دخول «الكاش في الشنط» عبر المطار
يتصرف معظم اللبنانيين منذ اندلاع حرب غزة وفتح جبهة الجنوب وفقاً لمقولة «خبّي قرشك الابيض ليومك الاسود»، على اعتبار أن القادم من الأيام غير مضمون لجهة ما ستحمله من توسع للجبهة الجنوبية وامتدادها لباقي المناطق. واذا كان مئات آلاف اللبنانيين يعيشون بفضل التحويلات من الخارج لا سيما من المغتربين، فان السؤال الملح والمقلق يتردد حول تأثر تلك التحويلات بالأحداث الجارية، إما لأسباب تقنية (إنقطاع الانترنت مثلاً) أو لأسباب موضوعية أخرى مثل أن جزءاً كبيراً من الأموال يدخل لبنان عبر مغتربين وزائرين من الخارج، فضرب المطار مثلاً، يمكن أن يعيق وصول هذه الاموال. كما هناك حالة التضييق على التحويلات الى لبنان ضمن اجراءات عقابية (سيناريو مستبعد حالياً).
إرتفاع التحويلات من 5 إلى 40% حسب المناطق
ينقسم المشهد المتعلق بمعظم التحويلات الى قسمين، الأول التحويلات الفردية للعائلات بالطرق الكلاسيكية، والثاني الأموال التي تدخل الى لبنان «بالشنطة». في ما يتعلق بالشق الأول تظهر جولة على الصرافين وشركات الحوالة في مختلف المناطق اللبنانية، أن تحويلات المغتربين الى أهاليهم في الجنوب والضاحية الجنوبية، زادت نحو 40 بالمئة منذ بدء العمليات العسكرية في الجنوب. في حين أن التحويلات في منطقة بعلبك زادت 25 بالمئة وفي البقاع الاوسط 5 بالمئة والبقاع الغربي 8 بالمئة.
أثر مباشر لتقليص حركة المطار
أما في ما يتعلق بنقل الاموال بالشنطة عبر مغتربين وزائرين، فيلفت خبير اقتصادي لـ»نداء الوطن» الى أن «التحويلات المعلنة تتراوح بين 6 و7 مليارات دولار سنوياً، بحسب تقديرات البنك الدولي، في حين أن شنط الاموال التي تدخل عبر المطار (منذ بداية الازمة الاقتصادية وانعدام دور المصارف) لا تقل قيمة واهمية لكنها بلا شك ستتقلص مع تراجع حركة المطار في لبنان، وقد تتوقف في حال اقفاله ما يعني تراجع نسبة الاموال التي تصل الى لبنان بهذه الوسيلة، بالاضافة الى أن عائدات السياحة تنعدم في حال الحرب الشاملة طويلة الأمد».
ويذكر بأن «كل هذه التحويلات والتدفقات المالية تشكل مصدراً حيوياً لتوفير النقد لاحتياجات الاقتصاد والأسر، وتصحيح توازنات العرض والطلب في أسواق القطع والحد من الاختلالات الحادة في ميزان المدفوعات.
المركز الاول في تلقي التحويلات
بلغة الارقام، يعد لبنان ضمن قائمة الدول الاكثر تلقياً للأموال من المغتربين في العالم، فقد تبوّأ المركز الأوّل في المنطقة والمرتبة الثانية عالميّاً من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلّي الإجمالي، والتي بلغت 37.8 في المئة في العام 2022، مع وصول حجم التحويلات إلى 6.8 مليارات دولار أميركي، وذلك بحسب تقديرات البنك الدولي، وقد اعتمد معظم المغتربين على مكاتب تحويل الأموال لتنفيذ هذه التحويلات، بدلاً من الاعتماد على المصارف.
معوض: 3 معوقات
يشرح رئيس مجلس ادارة الـomt توفيق معوض لـ»نداء الوطن» أن هناك 3 أمور يمكن أن تؤثر على تحويل الاموال الى لبنان في حال حصول حرب شاملة. الاول: أن شركة الـomt موصولة بالـwestern union وهي بدورها موصولة بـ220 دولة في العالم، وبالتالي تحويل الاموال عبر شركتنا يتم عبر western union التي تملك ساتيلات خاص بها، فاذا تمت معاملة في البرازيل مثلاً تمر عبر الستلايت وتصل الى لبنان، وفي حال انقطع خط الاتصال المذكور (يستبعد الامر) فإن عائقاً سيقف أمام وصول التحويلات».
يضيف: «العائق الثاني هو انقطاع الانترنت في لبنان. وهنا نواجه مشكلة كيفية التواصل مع 1400 وكيل للشركة في لبنان. أما العائق الثالث فهو توقف خدمات الـcity bank اي البنك المراسل، وهذا يعني أن شركة western union لا يعود بامكانها تحويل اموال لشركتنا»، لافتاً الى أنه «خارج هذه العوائق الثلاثة يمكن ان تصل التحويلات من دون مشاكل، وفي حرب الـ2006 كانت تصل الاموال بشكل طبيعي».
ويختم: «أعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام، ولن يكون هناك تغييرات تقنية في تحويل الاموال، مع الاشارة الى أن المغتربين يزيدون من تحويلاتهم بنسبة 10 بالمئة خلال الحرب».
شحّ دولارات في حال الحرب الشاملة
يؤيد مصدر في شركة «بوب فايننس» كلام معوض، ويشرح لـ»نداء الوطن» أنه «طالما أن الانترنت موجود في لبنان، فان خدمات شركات تحويل الاموال لن تتأثر تقنياً كون الحوالات تتم بطريقة الكترونية»، مشدداً على أنه «على المدى المنظور لن تحصل تغييرات في التحويل. أما على المدى البعيد، أي في حال توسعت الحرب وباتت شاملة، فهناك خوف من حصول شح في الدولارات في الاسواق خصوصاً أننا لا نعرف بالضبط كمية الدولارات الموجودة في لبنان حالياً»، ويوضح أنه «حين يحصل شح دولارات في السوق يتم شحنها من الخارج، لكن عندما تكون كل المرافق (مطار ومرفأ) مقفلة ومتوقفة عن العمل، فكيف يمكن أن يتم ذلك؟».
رياشي: تأجيل التحويلات الإستثمارية
على ضفة الخبراء المصرفيين يشرح رئيس مجلس إدارة I&C Bank جان رياشي لـ»نداء الوطن» أنه «من حيث المنطق تحويلات المغتربين غالباً ما تكون تلبية لحاجات عائلاتهم، وهذه الاموال لن تتوقف مهما كانت الاسباب، في حين ان الاموال التي تدخل الى لبنان عبر»الشنط» لا شك أنها ستتوقف خوفاً عليها، وبالتالي حجم الاموال التي ستدخل الى لبنان ستتقلص».
يشدد رياشي على أن «الاموال التي تدخل الى لبنان بعد الازمة غالباً ما تكون بناء على حاجة، اما لمساعدة الاهالي أو لأن المغترب يريد تمضية اجازاته في لبنان فيدخل معه الاموال، وهذا الامر سيتأجل حالياً بسبب الاوضاع. أما المغترب الذي يقوم بتنفيذ استثمار ما فسيتم تجميده في الفترة الحالية، ولذلك التحويلات من المفروض أن تتقلص».
ويختم: «التحويلات الناتجة عن التصدير والاستيراد ستتأثر، وحجم الاقتصاد سيتقلص أكثر، وهذا أمر طبيعي».
يشوعي: لا خطر
في مستوى الخبراء الاقتصاديين، يلفت الخبير الدكتور ايلي يشوعي لـ»نداء الوطن» أن «التحويلات المالية ستستمر الى لبنان ولن تتوقف، طالما انه لم يتم فتح جبهة واسعة مع العدو الاسرائيلي»، مشدداً على أنه «لن يكون هناك قيود على تحويلات المغتربين في الخارج، طالما أن الامور مضبوطة. ولن يكون هناك عقوبات أو قيود من اي نوع أو خطر مالي يخص اللبنانيين، أو حتى في ما يتعلق باستيراد موارد الطاقة والمواد الاساسية».
غبريل: عقد إجتماعي بين المقيم والمغترب
من جهته يوضح الخبير ورئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل لـ»نداء الوطن» أن «تحويلات المغتريبن هو عقد اجتماعي خاص بين المغترب وأهله في البلد الام، وهي للاستهلاك اليومي اي المأكل والتعليم والطبابة وليست للاستثمار. والابحاث الاقتصادية تظهر أن تحويلات المغتربين ترتفع في اوقات الازمات، وهي ليست ودائع أو اداة استثمار».
يضيف: «في لبنان تتوزع الاموال التي تدخل الى لبنان في المرحلة الحالية بين مردود الصادرات يعود جزء منها الى لبنان، وبين اموال المساعدات التي تمنحها وكالات الامم المتحدة للنازحين السوريين وقسم من اللبنانيين. وأيضاً هناك عائدات القطاع السياحي والتي قدرت في العام 2022 بـ5 مليارات و300 مليون دولار، وهذه الايرادات المباشرة للسياحة، علماً أن الايرادات غير المباشرة اكبر، ومردود موسم السياحة في الـ2023 أعلى من السنة الماضية».
يؤكد غبريل ان «اجمالي الاموال التي تدخل الى لبنان سنوياً يزيد على 10 مليارات دولار (موسم السياحة بناء على ارقام 2022: نحو 5 مليارات و300 مليون، ومليارين من عائدات التصدير، ومليار و220 مليوناً مساعدات وكالات الامم المتحدة)، مع الاشارة الى أن عائدات موسم السياحة هم الاكثر عرضة للتوقف بسبب الاحداث الامنية، في حين أن أموال المساعدات والمغتربين ستستمر». ويختم: «أما تحويلات ما بعد الحرب فلها حسابات ومعايير أخرى، ووضع سياسي مختلف عن الحرب التي اندلعت في الـ2006».
سيناريو كارثي… مستبعد
ما سبق مطمئن نسبياً، لكن هناك سيناريو سيئ ولو ان حصوله مستبعد جداً حالياً، وهو فرض عقوبات ما على لبنان بسبب دخوله الحرب. فالغرب اليوم يقف مع اسرائيل، واذا اندلعت الحرب الشاملة (ولبنان جزء منها) فليس مستبعداً اتخاذ اجراءات عقابية من ضمنها التضييق على التحويلات الى لبنان. وفي هذه الحالة سيتعرض لبنان لضربة قاسية جداً لأن اقتصاده حالياً يقوم بشكل اساسي على التحويلات التي اذا انقطعت او تقلصت ستؤثر على المعروض النقدي من الدولارات ما سينعكس حتماً على سعر الصرف فتستأنف الليرة رحلة هبوطها اكثر.