المصارف اللبنانيّة تُدّخل الى لبنان 21 مليار دولار أميركي موجودة في الخارج
الواقع الإقتصادي يتراجع على وتيرة التعقديات التي تواجه التكليف والتشكيل
تخطّى سعر صرف الدولار الأميركي لدى الصيارفة عتبة الـ 2000 ليرة في تداولات البارحة. ويأتي هذا الواقع في ظل فرض المصارف لإجراءات أغضبت المودعين وتمثّلت بتقييد حركة الدولار الأميركي بالدرجة الأولى. في نفس الوقت أعلن الرئيس الحريري في بيان أنه لن يترأس الحكومة القادمة، مما دفع بأسعار الدولار في سوق الصيارفة إلى حدود الـ 2100 ليرة لبنانية وهو ما يُجسّد مخاوف الأسواق من حكومة مواجهة مع الولايات المُتحدة الأميركية.
وكانت المعلومات قد أشارت إلى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيدّعو إلى الإستشارات الإلزامية نهار الخميس، قبل أن تعود مصادر وتُرجّح تأجيل الموعد إلى نهار الجمّعة نظرًا إلى وجود نواب خارج لبنان.
وتزامنت هذه الأحداث مع تقرير قدّمه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدّنى إلى مجلس الشيوخ الأميركي عن لبنان وتطوّر الأوضاع فيه. ومن أهم ما ورد في هذا التقرير أن «إفلاس لبنان بات وشيكًا» ويتمثّل بعدم قدرة الحكومة اللبنانية على دفع رواتب القطاع العام.
وإحتوى هذا التقرير على سيناريو إفتراضي ينص على تشكيل حكومة موالية لحزب الله مما سيؤدّي إلى تحويل لبنان إلى «فنزويلا الشرق الأوسط» مما سيؤدّي حكمًا إلى عزّله ومنع كل المساعدات الدوّلية وعلى رأسها مساعدات مؤتمر سيدر.
} الدولار الأميركي }
قفز الدولار الأميركي فوق عتبة الـ 2000 ليرة لبنانية في سوق الصيارفة نهار أمس قبل أن يصل في بعض التعاملات إلى 2100 ليرة وذلك بعد بيان رئيس الحكومة الذي إعتذر فيها عن ترأس الحكومة القادمة. وهذا الأمر رفع الأسعار (عن غير وجه حقّ) إلى أكثر من 35% في ظل غياب الرقابة على التجار الذين قاموا برفع الأسعار على البضائع والسلع الموجودة لديهم وهو ما يُشكّل مخالفة واضحة للمرسوم الإشتراعي 73/83!
التهافت على الدولار إزداد كثيرًا في الأسابيع الماضية مع إزدياد الشائعات عن إحتمال إنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وتطبيق الـ«Haircut» وإفلاس المصارف مما دفع المواطنين والتجار إلى سحب أموالهم بالليرة اللبنانية من حساباتهم وتحويلها إلى الدولار ووضعها في الخزنات في المنازل والمكاتب!
إرتفاع الأسعار له تداعيات سلبية كبيرة على الماكينة الإقتصادية وذلك من خلال خفض القدرة الإستهلاكية وبالتالي الإستهلاك ومعه النمو الإقتصادي. أيضًا لإرتفاع الأسعار تداعيات على إستمرارية الشركات التي ترى كلفتها إلى إرتفاع وبالتالي تعمد إلى صرف موظّفين أو دفع نصف أجر لهم. كل هذا يؤدّي إلى ضرب الأمن الإجتماعي من خلال إرتفاع نسبة الفقر.
لكن لماذا لا يتدخّل مصرف لبنان في سوق الصيارفة للجم الدولار؟ في الواقع هناك أسباب عديدة تكمن وراء عدم التدخّل:
أولا: هناك هلع كبير لدى المودعين وإذا ما تدخل في سوق الصيارفة سيتمّ سحب الودائع بالليرة اللبنانية وتحويلها إلى دولار لدى الصيارفة ليتم بعدها وضعها في المنازل!
ثانيًا: في ظل الهلع الحاصل نتيجة الفراغ الحكومي، لا يُمكن مواجهة السوق لأن كل دولار في السوق هو إستنزاف لإحتياطات مصرف لبنان. من هذا المُنطلق لا يُمكن وضع دولارات في السوق إلى بعد تشكيل الحكومة.
ثالثًا: سوق الصيارفة ليس بسوق رسمي لأن السوق الرسمي محصور بسوق القطع بين المصارف والذي يتمّ تداول الدولار فيه على السعر الرسمي. من هنا يُمكن القول إنه إذا أراد مصرف لبنان التدخّل، يكون ذلك من خلال فك القيود على حركة الدولار في المصارف التجارية. الجدير ذكره أن كل التعاملات المصرفية التي تستخدم القنوات المصرفية تتمّ على السعر الرسمي.
} الإجراءات المصرفية }
على إثر إضراب موظّفي المصارف، قامت جمّعية المصارف بتعميم عدد من الإجراءات التي تُمثّل آلية واضحة لموظّفي المصارف في تعاملهم مع الزبائن. وتضمّنت هذه الإجراءات:
– لا قيود على الأموال الجديدة المُحوّلة من الخارج.
– التحويلات إلى الخارج تكون فقط لتغطية النفقات الشخصية الملحّة.
– لا قيود على تداول الشيكات والتحاويل وإستعمال بطاقات الإئتمان داخل لبنان. أمّا بالنسبة إلى إستعمال البطاقات خارج لبنان، فتُحدّد السقوف بالإتفاق بين المصارف والعملاء.
– تحديد المبالغ النقدية الممكن سحبها بمعدل ألف دولار أميركي (بنكنوت) كحدّ أقصى أُسبوعيًا لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار؛ مع العلم أن بإمكان الزبائن أن يسحبوا بواسطة الشيكات على هذه الحسابات المبالغ التي يريدونها بدون سقوف.
– الشيكات المُحرّرة بالعملة الأجنبية تُدفع في الحساب.
– يُمكن إستعمال التسهيلات التجارية داخليًا ضمن الرصيد الذي وصلت إليه بتاريخ 17 تشرين الأول 2019.
– دعوة الزبائن إلى تفضيل إستعمال بطاقات الإئتمان بدلاً من الكاش، خصوصًا بالليرة اللبنانية لتأمين حاجاتهم.
هذه الإجراءات تُمثّل توجيهات عامّة للمصارف حيث يقوم كل مصرف بتطبيق مُختلف مثل سقف السحوبات بالدولار الأميركي! إلا أن المُشكلة الكبيرة تبقى في طريقة تعاطي موظّفي المصارف مع الزبائن والتي تشوبها عيوب كبيرة مما يطّرح فكرة إلزام الموظّفين الخضوع لدورات تدريبية لتأهيلهم على التعامل مع زبائن في حال غضب.
على هذا الصعيد، يتوجّب التذكير أن ودائع المودعين آمنة بحكم ملاءة المصارف الكبيرة. وقد أصدر مصرف لبنان تعميماً ألزم فيه المصرف رفع رأسمالها بقيمة 4 مليار دولار أميركي مما يعني رفع ملاءة المصارف أكثر وبالتالي تأمين حماية أكبر للودائع. أيضًا لن يكون هناك أي Haircut على الودائع لأن مثل هذا الإجراء يفرض إفلاس الدوّلة وأن تكون الودائع مُستثمرة في سندات الخزينة.
وتقول المعلومات أن هناك 21 مليار دولار أميركي إستثمارات تابعة للمصارف اللبنانية في الخارج منها 9.5 مليار دولار أميركي ودائع في مصارف مراسلة وسيتمّ إعادتها إلى لبنان في الأشهر القادمة. هذا الأمر سيزيد من سيولة المصارف وسُيريّح الأسواق من ناحية سيولة الدولار الأميركي ويرفع شبح الإفلاس والمخاوف من أي مسّ بالودائع.
} المخاوف الإقتصادية من حكومة تحدّياً }
التقرير الأميركي الصادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدّنى والذي تمّ تقديمه إلى مجلس الشيوخ الأميركي يحوي على سيناريو تصعيدي في حال تمّ تأليف حكومة موالية لحزب الله بحسب تعبير التقرير.
وينص السيناريو على أن تقوم الولايات المُتحدة الأميركية بوقف المساعدات للجيش اللبناني، ومنع المساعدات المالية والإقتصادية عن لبنان وعلى رأسها أموال مؤتمر سيدر على أن يتمّ عزل لبنان عن العالم في ظل سيناريو شبيه بسيناريو فينزويلا التي تمتلك بترول وعلى الرغم من ذلك تعيش حالة إقتصادية تعيسة!
ويتوقّع السيناريو أن تقلّ مداخيل الدوّلة اللبنانية بشكل ملحوظ مما سيؤدّي إلى توقفها عن دفع أجور القطاع العام وإعادة هيكلية ديونها أي بمعنى أخر إعلان إفلاس لبنان.
في الواقع هذا السيناريو هو تهديد مُبطّن لما قدّ ينتج عن قيام لبنان بتشكيل حكومة تعتبرها الولايات المُتحدة الأميركية حكومة تحدّ لها. وفي ظل الصراع الأميركي الروسي من جهة والصراع الأميركي الصيني من جهة أخرى، سيجد لبنان نفسه عالقًا في صلب المعارك الإقتصادية حيث سيتمّ فرض عقوبات عليه وسيتمّ منعه من إستخراج النفط عبر التهديد الإسرائيلي.
الخطّة المطروحة أمام السلطات اللبنانية في حال أخذ هذا السيناريو طريقه، أعلنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي قال أن هناك خيارات أخرى غير الخيار الأميركي وبالتحديد تحدّث عن الصين والتصدير إلى العراق، أي بمعنى أخر إعادة تموضّع إستراتيجي للبنان.
هذا الخيار سيُعدّل الخطط الإقتصادية التي وضعتها الحكومات السابقة وخطّة ماكنزي وغيرها من الإجراءات والإصلاحات الإقتصادية التي كانت الدوّلة تُخطّط لها. ولعل تروّي رئيس الجمّهورية في الدعوة إلى الإستشارات المُلزمة يأتي كوسيلة للبحث عن حلّ وسط يُمكن للبنان أن يتفادى من خلاله المواجهة مع واشنطن من جهة وإرضاء المتظاهرين اللبنانيين من جهة أخرى.
على كل الأحوال الواقع السياسي والأمني الذي يعيشه لبنان اليوم هو من أخطر الحقبات في تاريخ لبنان لأن التداعيات لأي خيار سيتمّ أخذه سيُترّجم إما تداعيات إقتصادية كارثية أو تداعيات سياسية وحتى أمنية خطيرة. وما يتوجّب معرفته على هذا الصعيد أن المرحلة الحالية تُعتبر مرحلة إستنزاف لمصرف لبنان الذي يقوم بدفع كل مُستحقات الدوّلة اللبنانية، لذا نرى إلزامية التمتّع بالحكمة والحنّكة لإيجاد حلّ يعفي لبنان من آتون الصراعات الدولية والإقليمية.