على رغم الروايات التي خرجت الى العلن عما اصاب اللواء السوري رستم غزالي والتي تمحورت حول خلافات قيل انها حصلت بين قائد جهاز الامن العسكري وقائد جهاز الامن السياسي واستتبعت باقالات من رأس النظام بحيث اعطتها صدقية في رأي كثر من المتابعين مما يشير الى الانهيارات التي باتت تحكم المؤسسات السورية، فان ثمة تساؤلات وجيهة حول احتمالات غير مستبعدة في رأي هؤلاء نتيجة مجريات الشهادات في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري التي اعادت جميعها تصويب الاتهامات في اتجاه النظام السوري والتهديدات التي تلقاها الحريري الاب من رأس النظام وعبر غزالي. هذا الامر لم يتناوله اي من السياسيين اللبنانيين من اي طرف علنا لا سلبا ولا ايجابا. لكن ذلك لا يمنع انه كان محور احاديث ومحاولة استطلاع للمعلومات الصحيحة حول ما اذا هناك تصفيات جسدية لمن اعتبروا متورطين في اغتيال الحريري او يتم تسليط الضوء عليهم مجددا خصوصا ان حادثة غزالي تزامنت في توقيتها مع شهادات امام المحكمة في لاهاي ركزت على شخصي الاسد وغزالي. فأثير موضوع عدم الاجهاز كليا على غزالي وضربه حتى الموت بما قيل انه يتصل باحتفاظ الاخير بتسجيلات وأموال طلب النظام الحصول عليها ولم يتمكن منها خصوصا ان التقارير التي رفعتها لجنة التحقيق الدولية الى مجلس الامن عن ارتباط سوريا باغتيال الحريري افادت ان كل الوثائق المتعلقة بلبنان في دمشق قد احرقت. وغزالي كان من الشخصيات في النظام السوري الذين طلب استجوابهم وكان من ابرزهم الى جانب اللواء آصف شوكت الذي قتل في الانفجار الذي استهدف القادة الامنيين الكبار في تفجير مبنى الامن القومي السوري في تموز 2012 وغزالي نفسه. ومع ان هناك من يستخف بهذا المنطق انطلاقا من المقولة الشعرية “انا الغريق فما خوفي من البلل” نسبة الى تورط القادة الامنيين السوريين وفي مقدمهم غزالي في ما يحتمل ان يكون جرائم حرب في سوريا وما قد يؤدي الى محاكمتهم في هذا الاطار بحيث لن يعود مهما سوق الاتهامات باغتيال الحريري، فضلا عن ان احتمال دعوة غزالي الى ان يدلي بشهادته امام المحكمة في لاهاي في المدى المنظور قد لا تكون ممكنة او متاحة وهناك اسباب عدة تمنع تجاوب النظام في هذا الاطار، فان آخرين لا يستبعدون صلة اساسية بين ما جرى لغزالي اخيرا الى درجة مشارفته الموت ومسار المحكمة الدولية عبر شهادات اعادت تسليط الضوء بقوة على دور النظام السوري والتهديدات التي وجهها للحريري قبيل اغتياله. اذ ان شهادة غزالي في ظل المعطيات الجديدة التي طرأت على سوريا قد تكون مختلفة الى حد بعيد عن مضمون اجوبته في ظل استجوابه من لجنة التحقيق الدولية في فيينا قبل اعوام علما ان النظام لا يزال يرفع لواء تعاونه في موضوع التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري وكان آخر تأكيداته في هذا الاطار امام معدي التقرير الذي استند اليه ستيفان دو ميستورا المنسق الدولي الى سوريا من اجل حل الازمة السورية.
يعود اصحاب هذا المنطق الاخير اي احتمال الى تكتسب شهادة غزالي قيمة مختلفة بعد ما ورد في وثائق ويكيليكس عن غزالي غداة استدعائه مع خمسة من اركان النظام للاستجواب في قضية اغتيال الحريري واضطرار الاخير الى التوجه الى فيينا لهذا الغرض مع العقيد سميح القشعمي. جاء في هذه الوثائق ان الاثنين اي غزالي والقشعمي كان يفترض ان يعودا الى فيينا من اجل استجوابهما مجددا. وكان ثمة اعتقاد انهما يمكن ان يتعرضا للتوقيف في فيينا او فور عودتهما الى دمشق. وقد استدعي مع المشبوهين الآخرين الى وزارة الخارجية السورية من اجل توقيع اوراق تتصل بتوكيل محامين وما شابه. وربما كان هناك احساس باقتراب النهاية اذ حضر غزالي الاجتماع وكان مسلحا. ومع انه لم يستخدم سلاحه الا ان صوته ارتفع مهددا ومتوعدا، وكان هناك انطباع بان غزالي يمكن ان يطلق النار على نفسه او على آخرين وقد طلب منه وضع سلاحه جانبا. الا انه كان محبطا وغير متوازن…. وقد نقل عن المشبوهين الآخرين الذين كانوا حاضرين الاجتماع قولهم وفق ويكيليكس ان غزالي تصرف على هذا النحو بتشجيع من اللواء آصف شوكت. وكان ثمة رهان وفقا لأصحاب المعلومات التي استندت اليه برقية ويكيليكس على ان غزالي كان يطمح الى ضمانات مسبقة من النظام قبيل عودته مجددا الى فيينا. اذ ان توقيف غزالي كان سيعرض دور شوكت الى ان يكون اكثر اشكالية ما قد يؤدي الى ازمة داخل النظام متى شعر شوكت باشتداد الضغط وتضييق الهامش امامه. ويضيف ويكيليكس ان توقيف غزالي كان يمكن ان يفجر ازمة في درعا حيث ثمة ثقل للطائفة السنية الاقرب الى موطئ رأس غزالي في ظل ما نقل في التقرير من وجود انطباع في المناطق السنية المماثلة ان العلويين يستحوذون على البلاد وان السنة هم من يدفع الثمن.