تقدّمتُ مع عدد من النواب باقتراح قانون يرمي الى إلغاء الاحتكار والتمثيل التجاري الذي يهدف الى إلغاء احتكار أيّ منتج وفتح باب المنافسة الواسعة في السوق اللبنانية، ويساهم بفعالية في الحد من التحكّم بسعر السلعة، ويسمح للشركات الصغيرة والمتوسطة بالاستيراد ممّا يعزّز الفرَص في سوق العمل وحتى في خدمة ما بعد البيع، عبر أسعار تنافسية يمكن ان تلبّي بعض حاجات ذوي الدخل المحدود والمتوسط نظراً لتوسعة مروحة الخيارات.
وهنا لا بد من التشديد على انّ اقتراح القانون المعدل الذي تقدمنا به لا يعني أنّ الإلغاء الكلي للوكالات الحصرية هو إلغاء للوكالات التجارية إلا أنه إلغاء للاحتكار والحصرية، بل هو يسمح لجميع التجار، على قاعدة المساواة ومنع الاحتكار، أن يمارسوا حقهم في الحصول على وكالات تجارية ما يؤدي الى زيادة العرض الذي يؤدي بدوره ومباشرة الى انخفاض السعر عبر المنافسة الحرة ويمنع الاحتكار والتحكّم بالاسعار التي تحكمها قاعدة الحصرية، ومن هنا نرى أهمية التقدم بهذا القانون في هذه المرحلة الصعبة التي ينوء تحت وطأتها اقتصادنا الوطني، ويرزح فيها المواطن تحت أعباء غلاء فاحش وتفلّت في الاسعار، وفي وقت تسعى وزارة الاقتصاد والمؤسسات الرقابية الى مراقبة الاسعار والحد من تفلّتها، لكن في رأينا انّ هذه التحركات تشكّل حلولاً موضعية لا تؤتي ثمارها. لذلك، نرى في إقرار اقتراح قانون إلغاء الاحتكار والتمثيل التجاري أساس الحل الذي يمكن له، وبمساندة سلسلة إجراءات عملية، أن يشكّل حلاً جذرياً لأزمة الغلاء من خلال فتح الاسواق امام تعدد الشركات المستوردة، كما فتح باب سوق العمل وخلق فرص جديدة يمكن أن تساهم ايضاً في خفض نسبة البطالة المستجدة.
إقتراح قانون إلغاء الاحتكار والتمثيل التجاري معدلاً:
لقد قمنا بإدخال تعديل على المرسوم الاشتراعي الرقم 34 الصادر عام 1967 المتعلّق بالتمثيل التجاري، الذي كان قد تناول في بنوده مادة وحيدة هي الثانية تتحدث عن حصرية التمثيل التجاري.
امّا اقتراح القانون الذي قدمناه فيقضي بتعديل هذه المادة (رقم 2) بحيث تصبح: «كل عقد تمثيل تجاري ينشأ بعد العمل بهذا المرسوم الاشتراعي يجب ان يكون خطياً، ويمكن ان يكون لمدة محددة أو غير محددة ولا يسري بند حصر التمثيل على الاشخاص الثالثين مطلقاً، (الاشخاص الثالثين هم الذين لا علاقة لهم بين المنتج والمستورد) ويُمنع احتكار أي سلعة تحت أي مسمّى، أي وبشرح بسيط هو عدم حصر استيراد اي سلعة بشركات محددة او بأشخاص معيّنين، فتكون مفتوحة امام كل من يرغب القيام بهذا النشاط التجاري».
فالقانون كما تمّ وضعه في عام 1967 لم يلحظ أي معايير او لوائح بين المواد الغذائية والاستهلاكية التي يحتاجها المواطن يومياً وبين الاخرى التي يمكن للمواطن العادي ان يعيش من دونها، الأمر الذي جعل من معظم السلع الاستهلاكية خاضعة للاحتكار، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد حدّد المشترع عام 1975 الهاتف أنه سلعة تحت عنوان الكماليات، اما اليوم فقد بات حاجة وضرورة لجميع المواطنين، وهذا المثال ايضاً يسري على العديد من السلع التي لا تندرج حصراً في لائحة استيراد الحاجات اليومية للمواطنين وتنسحب ايضاً على استيراد المواد الغذائية بكافة أنواعها.
لمحة تاريخية عن مسار هذا القانون والعراقيل التي أدت الى عدم إقراره سابقاً:
ليست هذه هي المرة الاولى التي يتم فيها العمل على إلغاء الاحتكار والحصرية:
– في 6 نيسان عام 1992 تمّ تعيين المواد التي لا تعتبر من الكماليات، والتي لا يسري عليها حصر التمثيل التجاري واعتبر من غير الكماليات:
المواد الغذائية للاستهلاك البشري والحيواني، بكل أسمائها وأنواعها وأصنافها ومواد التنظيف ومساحيق الغسيل. أمّا الأدوية مثلاً فبقيت خارج نطاق هذا السماح عبر الاحتكار وحصرية تسجيل الدواء في وزارة الصحة.
– في العام 2003 أحالت الحكومة مشروع قانون تعديل التمثيل التجاري، والذي يقوم على: إلغاء الوكالات الحصرية مقابل إعطاء أصحاب الوكالات الحصرية حَق تقاضي مبلغ يعادل 5% من قيمة البضاعة أو صنف السلعة المَشمول بالحصرية، وذلك لمدة 5 سنوات من تاريخ نفاذ القانون.
ـ في العام 2004، وفي الدورة التشريعية العشرين، تمّ فعلياً إقرار قانون لتعديل مرسوم التمثيل التجاري على ان يسري هذا القانون بعد 4 سنوات من نشره، ولكن للأسف لم يصدر القانون ولم ينفّذ، والسبب حملة معارضة كبيرة وشَرسة حالت دون إصداره.
ومن هنا لا بد من الالتفات الى الامور التالية ليكون المطلوب:
إلغاء الوكالات التجارية أو إلغاء حماية الوكالات الحصرية بصورة مطلقة عن كل السلع أو عن بعض السلع والمواد الاساسية التي تؤثر على كافة المستهلكين كالمواد الغذائية، المشتقات النفطية، والدواء…
فإلغاء الاحتكار من حيث المفهوم يختلف عن إلغاء الوكالات، وهما جزء لا يتجزأ في لبنان، فأصحاب الوكالات قد يكونون في غالبيتهم محتكرين (ونعني هنا بالمفهوم التجاري) لأنه يمكن لصاحب الوكالة الواحدة أن يملك وكالات لعدد كبير من السلع، فهناك على سبيل المثال 16 شركة تملك 411 وكالة و4 شركات تسيطر على 11% من السوق في قطاعات معينة.
لذلك، نرى انّ إلغاء الوكالات الحصرية كإجراء وحيد، يحمي الاقتصاد والمستهلك بنحو كامل، وفق سلة إجراءات متكاملة تقوم على:
– إقرار قانون المنافسة، إقرار قانون لضمان الحماية، إقرار قانون مكافحة الاحتكار، إصدار المراسم التطبيقية لقانون حماية المستهلك، إعادة النظر في الرسوم الجمركية، إعادة النظر في بعض الاتفاقات الدولية التجارية، إعادة النظر في النظام الضريبي وضبط الحدود ومكافحة التهريب.
إذاً، إنّ إقرار اقتراح القانون هذا اليوم هو حاجة، بل ضرورة، ويشكل واحدة من نقاط انطلاق محركات السوق، ولا بد لنا من الاشارة الى انّ تقدّمنا بهذا الاقتراح لا يستهدف أي فئة او قطاع، وإنما ينبع من واجبنا كأعضاء في المؤسسة التشريعية بالعمل والسعي للمساهمة ولو بجزء من الحل للازمة الاقتصادية، لعلّنا جميعاً نتوحد لفتح كوة في جدار هذه الأزمة.