Site icon IMLebanon

مسيو باسيل: لدينا ما نفعله غير الأكل والنوم

بهدوء |

يعرف المسيحيون اللبنانيون، خصوصاً الموارنة، القليل جداً عن مسيحيي المشرق؛ معذورون؛ فهم، بالكاد، يعرفون مواطنيهم السنّة والشيعة، بل الأرثوذكس، بالكاد يعرفون لبنان، فما بالك بأنحاء المشرق الشاسعة؟

الموارنة، في الأساس، اتحاد قبلي عربي، عزّز ترابطه وعصبيته باتخاذ مذهب مشترك. هذه هي كل الحكاية التي طالما تكررت مع اتحادات قبلية أخرى، تسننت أو تشيّعت أو… فالمذاهب الدينية لا تصنع العصبيات عند العرب، إنما العصبيات القبلية والاتنية هي التي تصنع الأديان والمذاهب. والمسيحية المشرقية، كلها، بقيت وعاشت وقاتلت وازدهرت، تعبيراً عن عصبيات محلية.

لكن الموارنة اخترعوا لهم تاريخاً خاصاً بهم، أسطورة ظنوا أنها تميّزهم، فوضعتهم خارج السياق المشرقي، وعزلتهم في استعلاء خاوٍ، وميّزتهم بالجهل المطبق بمحيطهم، بما في ذلك محيطهم المسيحي الذي يحسبونه دون المستوى الماروني، كالمسلمين، وربما أدنى درجة أو درجتين!

يقول الوطني الحر، جبران باسيل، في حوار مع «الأخبار»، إن المسيحي اللبناني لا يقبل أن يكون «مجرد كائن حي، يأكل ويشرب وينام»، كما هو حال «المسيحي غير اللبناني»!

طيب! مسيو باسيل، لاحظْ ، فقط، أن سايكس بيكو أعطتكم دولة كاملة، فخسرتموها بالانعزالية والجهل والغرور. أما مسيحيو المشرق، فقد دمرت سايكس بيكو، وحدتَهم، وحولتهم من كتلة مشرقية وازنة إلى أقليات في الكيانات الجديدة؛ فلم يستسلموا، خاضوا غمار النضال القومي، العربي والسوري، لكي يستعيدوا وحدتهم وقوتهم، ثم ناضلوا في الكيانات القُطرية، في حركاتها الوطنية، ونهضتها، وتقدمها؛ فكسبوا مواقع في الدولة والسياسة والمجتمع والثقافة، تتفوّق، الآن، على نظرائهم اللبنانيين.

قبل شهرين، توفي الدكتور يعقوب زيادين، الزعيم المعترَف به للحركة الوطنية الأردنية منذ الخمسينيات؛ زيادين ليس سوى عنوان للحضور المسيحي الحيّ الفعّال في الأردن. هبطت نسبة المسيحيين الأردنيين، بسبب الهجرات الوافدة إلى البلاد، من 20 في المئة إلى خمسة في المئة، لكن حجم المشاركة المسيحية في الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية والمهنية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، يعطي المراقب، الانظباعَ، بأنهم يمثلون 50 في المئة وأكثر؛ أو قل إن الحضور المسيحي الأردني، له طابع نوعي بارز؛ المسيحيون الأردنيون لا يكتفون بالأكل والشرب والنوم، بل يحضرون، بكثافة، في المعارضة والحكم؛ أبرز الكتّاب والصحافيين وقادة الرأي والأطباء والمهندسين والمحامين ورجال الأعمال، هم من المسيحيين. وهذا الوضع الخاص لا يسبب أي توتّر لدى المسلمين الأردنيين؛ بالعكس، هناك اعتراف بأن المسيحيين هم «ملح البلاد».

المسيحي الأردني المهاجر، يداوم على تعزيز صلته بوطنه؛ ما يجمعه من مال في المغتربات، يتم استثماره في الأردن. وحين يكون المال محدودا، يتم انفاقه في بناء منزل صيفي في الريف.

قبل أشهر، انتشر أن نائب رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور رجائي المعشّر، مرشح لرئاسة الوزراء؛ ربما كان ذلك بالون اختبار لمعرفة اتجاه الرأي العام حيال ترئيس مسيحي، وكانت النتيجة طبيعية: الترحيب بالنظر إلى مكانة الرجل وحنكته. حصة المسيحيين الأردنيين في البرلمان والحكومة لا تتناسب مع حجمهم المعنوي، بالطبع، ولكنها تتوافق مع نسبتهم العددية.

منذ 2011، حدث ما يمكن القول إنه انشقاق في الاجماع الوطني. فالمسيحيون الأردنيون، على العموم، وقفوا إلى جانب الرئيس بشار الأسد وحزب الله، في مواجهة «المعارضة» السورية التي يدعمها النظام؛ لكنهم لم يتحركوا كمسيحيين، بل كأردنيين، ونشطوا في تكوين الرأي العام المضادّ، رفقة العلمانيين والقوميين واليساريين؛ لم يميّزوا أنفسهم، فتضاعف تأثيرهم، أضعافاً.

هل تدري، يا مسيو باسيل، ما السرّ في هذا كله؟ السر بسيط جدا، وهو أننا لا ننظر إلى أنفسنا كمسيحيين، بل كعرب أردنيين؛ ليست لدينا عقدة الخواجا، ونعتبر سوريا، لا فرنسا، أمنا الحنون. ولذلك، فسوريا هي قضيتنا الأولى، وإسرائيل عدوّنا الأول.

مَن قال لك، يا مسيو باسيل، «إن مسيحيي المنطقة، كانوا يستمدون بقاءهم من مسيحيي لبنان.»؟ كلاّ! فهؤلاء ليسوا «مسيحيي المنطقة» بل هم مسيحيو المشرق. وقد نظروا، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، إلى الفاشية الدينية المسيحية اللبنانية، بإشفاق وازدراء؛ أولاً، لأن المسيحي اللبناني كان ينتحر، وثانياً، لأنه لطّخ سمعة المسيحيين العرب؛ طليعة النهضة، وقادة القومية، وقوة اليسار، وعنوان العداء للصهيونية.

لو اتّبعنا مسيحيي لبنان، لكنّا، اليوم، جميعاً، في المهاجر! والمجد لذكرى الرئيس حافظ الأسد؛ فلولاه لما بقي مسيحيٌ في لبنان! هذا المسيحي المنفصل عن مجتمعه القومي؛ وطنُه حقيبة، وأمنيته السفر، ولا يرى نفسه إلا مشروع مغترب!

طيّب! لنتحدث عن مسيحيي سوريا؛ ليس مكتوباً في ميثاقٍ ما، أن وزير الدفاع منصبٌ لمسيحي أو سني أو علوي؛ لكن العسكري الكفوء يمكنه أن يحتل هذا المنصب، بغض النظر عن طائفته؛ هل تذكرون الشهيد داوود راجحة؟ في عزّ الحرب، تنفّذ الحكومة السورية، رفع ثاني أعلى تمثال للسيد المسيح في العالم! الجيش العربي السوري وحزب الله والقوميون والمقاتلون الوطنيون، يفتدون معلولا بالأرواح، ويخوضون حربا شرسة ضد القوى الظلامية التكفيرية المصممة على استئصال المسيحية في سوريا والمشرق؛ قوى سوداء موّلتها وجيّشتها السعودية، ومن ورائها الولايات المتحدة وإسرائيل. بالطبع، ليست هذه سوى غيمة سوداء ستمر، تواجهها كتلة اجتماعية وطنية سورية من كل الأديان والطوائف.

المسيحية السورية، هي جزء من النسيج الوطني؛ فسوريا مسيحية بقدرما ما هي سنية وعلوية وشيعية واسماعيلية. سوريا مسيحية، عددا وحضورا وفاعليةً ومعنى، أكثر مما هو لبنان، ألف مرة. أما قلوب مسيحيي المشرق، فترنو إلى دمشق لا إلى المسيو باسيل!

هل تظن، حقاً، أن مسيحيي المشرق قلقون أو مهتمون بالرئيس المسيحي في لبنان؟ أولا، لدى هؤلاء رئيس يمثّلهم، فكرا وروحا وممارسة، هو الرئيس بشار الأسد، وجيش قومي هو الجيش العربي السوري، فمَن يهتم، إذاً، بالرئيس اللبناني؟ ثانياً، الرئاسة المسيحية في لبنان، مهمة للغاية، ولكن ليس ضمن الحسابات اللبنانية الصغيرة، بل ضمن الحسابات المشرقية؛ ما يهمنا أن يكون الرئيس المسيحي الوحيد في المشرق، مشرقياً مقاتلاً منخرطاً في مواجهة الموجة الظلامية ــــ الصهيونية، لا لاعباً في الميدان اللبناني الصغير. ولطالما أملنا أن يكون الجنرال ميشيل عون، جنرالاً للمشرق كله، وزعيماً للمسيحية المشرقية، قبل أن نكتشف أن صهره وولي عهده، ينظر إلى مسيحيي المشرق، باستعلاء، ككائنات بيولوجية، «تأكل وتشرب وتنام»!

مهلا، مسيو باسيل؛ فإن إنشاء كانتون مسيحي في لبنان، سيؤدي، آليا، إلى تدمير الوجود المسيحي في المشرق، تماماً، مثلما أدى إنشاء إسرائيل إلى دمار الوجود اليهودي المشرقي!

أيها الوطني الحر: ليست المعركة في بيروت، هي في سوريا؛ ومَن سيحكم بيروت ــــ ولبنان ــــ هو الذي يرى، بعينين صاحيتين، أن الحدود الثنائية سقطت، وأن المعركة مع النظام اللبناني، ستحسمها معركة الشام!

أيها الوطني الحر: ليس لك سوى خيار واحد؛ امتشق بندقيتك وامض وراء الجيش السوري وحزب الله، وثبّت بالدم، موقعك في المشرق كله، وللمشرق كله، لا في كانتون يؤول إلى ولي العهد الفعلي، سمير جعجع.