أسابيع قليلة، ويداهمنا مجدّداً «الاختبار العبثيّ» نفسه الذي كنّا على قاب قوسين منه، قبل استخدام رئيس الجمهورية للمادة 59 من الدستور، وسط ارتياح شعبي واسع بما قام به.
بطبيعة الحال، لا يمكن استبعاد امكانية التوافق حول قانون انتخابي قبل انقضاء هذه المدّة، ويبدو أن الأعصاب سوف تكون أكثر من مشدودة في الأيام الأخيرة التي تسبق جلسة 15 أيار النيابية.
إلا أنّه، لا معطيات جديّة حتى الآن، بالمقدور الإستناد إليها للتفاؤل بأنّه يمكن إنضاج توافق حول القانون الإنتخابي. وأكثر من هذا، المسألة الآن تنقسم إلى جزأين: واحد متعلق بالتوصل الى قانون الإنتخاب العتيد، والثاني متعلق بالإتفاق على مدّة التمديد للمجلس النيابي، الذي سيتسمّى «تمديداً تقنياً» اذا رافقه الإتفاق على قانون، في حين ما عاد معروفاً كيف يمكن تسميته إن طرح كتمديد ثالث لا يرافقه قانون انتخابي جديد.
البلد أمام «اختبار عبثي» نجحت المادة 59 في تأجيله لشهر، بما أعطى زخماً لموقع رئاسة الجمهورية، من دون أن يعني ذلك في نفس الوقت ادخال معطيات ضاغطة من شأنها تجاوز «الكربجة» التي تعرقل التوصل إلى قانون إنتخاب. بل «الكربجة» مضاعفة:
فمن جهة، ثمّة رفض «الثنائي المسيحي» لأي عودة للقانون النافذ (قانون الستين المشذّب في الدوحة) في حال لم يجر التوصّل لقانون إنتخاب جديد، وثمّة رفض من قبل الثنائي نفسه للتمديد «غير التقني» للمجلس الحالي، مرة ثالثة، في حال اقتربت مدّة تمديده الثاني من الانتهاء.
ومن جهة ثانية، ثمة تشديد ضمن هذا الثنائي، لا سيما من قبل «القوات اللبنانية» على ضرورة الذهاب إلى التصويت لإختيار قانون انتخابي من بين المشاريع المقدّمة، وأنّه لم يعد يعقل أن يبقى التصويت منحى عن مؤسساتنا بذريعة التوافقية. وهذا طرح منطقي إنّما شرطه أيضاً أن يكون الدستور هو المرجعية التي من خلالها ينظر إلى قانون الإنتخاب، بدلاً من التنقل الإنتقائي بين «الميثاقية» التي صارت مبهمة أكثر فأكثر، وبين الإطار الدستوري.
أيضاً، ثمّة من فرض على الناس جميعاً، مفاضلة غير صحيح أنّها بديهية أو كونية، لصالح نظام التصويت النسبي بوجه نظام التصويت الأكثري، ثمّ انقسم «أهل النسبية»، بين «النسبية النسبية» و»النسبية المطلقة»، وهو انقسام متعلّق بالحصّة المتوخاة من هذا وذاك، من وراء هذا الصنف من النسبية أو ذاك. لا مخرج من هذا الإنقسام بين «أهل النسبيتين» من دون اعادة الاعتبار لنظام التصويت الأكثري ومزاياه، فإذا كان النظام النسبي أكثر «تمثيلية» بالمطلق، فإنّ النظام الأكثري أكثر «تنافسية» بالمطلق، والإنتخابات تحتاج إلى الشيئين معاً، إلى تحسين التمثيل وإلى تحسين التنافس. لا انتخابات بلا منافسة، ولا منافسة بنتائج مسبقة. المشكلة أنّه جرى التركيز على معيار «صحة التمثيل» كما لو أنّه ينبغي التفتيش عن قانون انتخابي يمثّل بشكل صحيح أحجام ثابتة راكزة لا تتبدّل، كل في طائفته، وفي نفس الوقت مع احتساب «ميثاقي» لأحجام الطوائف.
شهر «الانكباب» على إنضاج ما لم يجرِ انضاجه طول الأشهر بل السنوات بل العقود الماضية، هو شهر يعوّل على الغائب حتى الآن.
لا يمكن التكهن منذ الآن بالمعطيات الجديدة التي يمكن أن تفرزها الظروف السياسية، الاقليمية والداخلية، للخروج من قطوع ما قبل جلسة 15 أيار المقبل. لكن معطيات كهذه لا يمكن انتظارها من داخل الورشة الحالية المتعلّقة بقانون الانتخاب، بين القوى السياسية. هذه الورشة بحد ذاتها لا تكفل حتى الساعة سوى الاصطدام بالحائط، طالما أنّها ورشة «بدائية» بمعيار الفقه الدستوريّ، طالما أنّ القانون الإنتخابي العتيد لا ينظر اليه في ضوء أحكام الدستور وبنود اتفاق الطائف، وأكثر من هذا طالما أنّ التفتيش عن «وحدة معايير» قانون الإنتخاب ما زال مفصولاً عن الإحالة إلى المعايير الدستورية، وفي طليعتها المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل.
شهر الانكباب على وضع القانون العتيد يمضي بتثاقل، أو يدور حول نفسه، في انتظار معطيات أو حسابات سياسية مغايرة ليس هناك ما يبرّر التماسها الآن.
وحتى الساعة، لا يزال الحد الأقصى المتاح للتفاؤل، هو التفاؤل بأنّ الحاجة إلى التمديد، وإلى إسباغ التمديد بطابع «تقني» هي التي يمكنها أن «تنضج» توافقاً على قانون انتخاب. هكذا تفاؤل هو درجة مرموقة من التشاؤم.