Site icon IMLebanon

موديز للحكومة… القرض بـ 1% سيُشكّل تخلفاً عن السداد إذا ما كان بالإكراه

 

تقرير موديز والذي على الرغم من وصفه الواقع بدّقة، لا يُمثّل إستنتاجاً يُمكن البناء عليه، بل هو أقرب إلى جرس إنذار من المرحلة المُقبلة إذا لم يتمّ الإلتزام بنسبة العجز المُتوقّعة. هذه الأخيرة تُعتبر شرّطاً أساسياً للسيطرة على الدين العام نظرا إلى أن الدّولة لم تستطع إستعادة الإنتظام المالي. لذا يعمد التقرير إلى التأكيد على الخطوات الواجب إتخاذها.

 

إستحقاقات الدوّلة اللبنانية مؤمّنة هذا العام بحسب رياض سلامة الذي على الرغم من قوله أن الإقتصاد لم ينم في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، يؤكّد أن الوضع الإقتصادي والمالي في وضع دقيق ولكننا لسنا على شفير الإفلاس.

 

في هذا الوقت تستمر لجنة المال والموازنة بدراسة مشروع موازنة العام 2019 مع توقعات بالإنتهاء من التقرير النهائي نهار الإثنين المقبل. هذا التقرير سيكون الأساس في مناقشة المشروع في الهيئة العامة حيث سيتمّ البتّ بالنقاط الخلافية.

 

في الموازاة يستمر الوضع السياسي بالتأزم على خلفية التعيينات والتي تُحاول المساعي المبذولة تذليلها لتفادي تعطيل عمل الحكومة أو أقلّه المُحافظة على إنتاجية مقبولة في ظل التوتّر بين أقطاب الحكومة. هذه الأخيرة عقدت جلسة الخميس الماضي تمّ فيها التطرّق إلى مواضيع مختلفة منها صفقة القرن وتداعياتها على لبنان، مراسيم التطبيق للقوانين المُقرّة من قبل المجلس النيابي، الأسئلة الموجّهة من قبل النواب للحكومة إضافة إلى المواضيع المُتبقّية من الجلسة الماضية. وأعلم الحريري المُجتمعين أنه سيكون هناك جلسات مُخصّصة لمتابعة قررات مؤتمر سيدر ودراسة خطّة ماكنزي.

 

} موديز والصفعة السياسية }

 

الحجّة الأساسية التي برّرت فيها موديز تقريرها الصادر أول من أمس، هي تراجع تدفّق رؤوس الأموال إلى لبنان وتراجع نمو الودائع. هذا التراجع بحسب موديز يزيد من مخاطر إعادة جدّول الدين العام أو أي إجراء أخر (مثل القرض بـ 11 ألف مليار ليرة لبنانية بفائدة 1% قد تُفرض على مصرف لبنان أو المصارف التجارية!) والذي قدّ يشكّل تخلّف عن السداد بحسب معايير الأسواق Credit Events)) وذلك على الرغم من التقشّف في مشروع موازنة العام 2019.

 

الحجّة الثانية لموديز تنصّ على أن الحكومة تهدف إلى خفض العجز من 11.5% إلى 7.6% من دون إصلاحات. والإصلاحات التي تقصدها موديز في تقريرها هي الضرائب والرسوم إضافة إلى تعديل في هيكلية الإنفاق وليس فقط قيمة الإنفاق. ولكن الأهم في الإصلاحات التي ذكرتها موديز يبقى مكافحة الفساد والهدر!

 

الحجّة الثالثة هي التأخير في إقرار الموازنة والمخاوف من أن تكون التعديلات التي تقوم بها لجنة المال والموازنة ستؤدّي إلى رفع العجز إلى مستويات أعلى من 7.59% وهذا ما عبّر عنه أيضا الرئيس الحريري البارحة في الإجتماع الذي جمعه بوزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

 

كل ما ذكره تقرير موديز هي معلومات علمية ودقيقة وتُعتبر رسالة واضحة للسلطة السياسية مضمونها أن ما تقوم به هذه الأخيرة من إجراءات غير كافية.

 

التحاليل التي قمّنا بها لمعرفة حجم الزيادة في الودائع في المصارف التجارية تُظهر أن إجمالي الزيادة في الودائع منذ إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية وحتى شهر نيسان 2019 تبلغ ما مجموعه 17 مليار دولار أميركي. بالطبع هذا الرقم أقلّ مما كان عليه في أعوام المجدّ (2007 إلى 2010)، إلا أن ما لا يجب نسيانه أن الخضّات السياسية التي مرّ بها لبنان وخصوصًا إستقالة الرئيس الحريري تشرين الأول من العام 2017، أدّى إلى تراجع الودائع. أضف إلى ذلك أن المناكفات السياسية التي رافقت الإنتخابات النيابية وتشكيل الحكومة والقمّة العربية ومناقشة الموازنة، أثّرت بشكل سلبي على ثقة المودعين حيث نرى أنه خلال الفترة التي تلتّ الإنتخابات في العام 2018 وحتى تشكيل الحكومة كان نموّ الودائع ضئيل.

 

وعلى الرغم من ذلك، لا يُمكن تجاهل الزيادة بقيمة 17 مليار دولار أميركي على الودائع في ظل كلّ ما يحصل داخليًا في لبنان وعلى الصعيد الإقليمي. من هذا المُنطلق يُمكن قراءة تقرير موديز على أنه رسالة موجّهة إلى السياسيين للقول أنهم هم المسؤولون عن تراجع الودائع والتدفقات المالية الخارجية.

 

} السلطة السياسية وأخطاء الموازنة }

 

عبارة «إصلاح» في قاموس المنظمات العالمية (مثل صندوق النقد الدوّلي ووكالات التصنيف الإئتماني) هي عبارة يتمّ إستخدامها للدلالة عن إصلاح في هيكلية الموازنة، أي بمعنى أخر خفض الإنفاق (هيكليًا) ورفع الإيرادات الضريبية بهدف تحقيق توازن وإستدامة هذا التوازن. وبحسب هذه المُنظّمات تدّخل مكافحة الفساد ضمن الخفض الهيكلي للإنفاق ورفع الإيرادات في آنٍ واحد.

 

القوى السياسية في لبنان وخوفًا من الغضب الشعبي عمدت إلى التخلّي عن أي نوع من أنواع الضرائب أو الرسوم المباشرة بإستثناء رسم الـ 2% على السلع المستوردة (تمّ تعليقه) وزيادة الضريبة على فوائد الودائع المصرفية (من 7 إلى 10%). أضف ذلك أن إجراءات مكافحة الفساد إعتبرتها المنّظمات الدوّلية غير كافية. لذا نقرأ في التقارير المُختلفة أن الحكومة لم تقمّ بإصلاحات فعلية خصوصًا على صعيد الإنفاق الهيكلي لتأمين إستدامة خفض الإنفاق وبالتالي تُرجّح عدم إحترام نسبة العجز المتوقّعة في الموازنة (أي 7.59%) وإرتفاعها إلى أكثر من 9%. هذا الإستنتاج مدعوم أيضًا بأن التأخير في مناقشة الموازنة (عدم إحترام المهل الدستورية) وطول المناقشات (19 جلسة في الحكومة وحتى الساعة 20 جلسة في لجنة المال والموازنة) لم تترك إلا ستّة أشهر لتطبيق إجراءات الموازنة مما يعني إضعاف فعّالية هذه الإجراءات.

 

إلى ذلك، لم يخف رئيس الحكومة مخاوفه من التعديلات التي تقوم بها لجنة المال والموازنة على مشروع موازنة العام 2019. وعلى الرغم من تأكيد النائب إبراهيم كنعان (رئيس اللجنة) أن كل تعديل في الإنفاق يواكبه إيرادات لتغطية الفارق، إلا أن تقرير موديز دفع بالرئيس الحريري إلى التعبير عن مخاوفه في إجتماعه مع وزير المال وحاكم مصرف لبنان. على هذا الصعيد يحق للمتابع أن يتساءل: من يتحمّل مسؤولية تنفيذ الموازنة الحكومة أم لجنة المال والموازنة؟ وكيف للحكومة أن تلتزمّ بموازنة وضعها المجلس النيابي؟

 

} مؤشرات على تحسن السيولة

 

خلال الاشهر القادمة }

 

إعتبرت الأسواق المالية تقرير موديز على أنه رسالة إلى الحكومة، وتعاملت معه على هذا الأساس. فالأسواق المالية بقيت مُستقرّة ولم يتمّ لحظ أي تردّي غير إعتيادي في سوق سندات الخزينة والذي يُعتبر المكان الرئيسي حيث تُترجمّ نظرة السوق إلى أداء الحكومة اللبنانية. بمعنى أخر، تُعطي الأسواق السلطة السياسية فترة سماح مشروطة بنقطتين:

 

أولاً: الإلتزام بتحقيق عجز مساوي للعجز المنصوص عليه في مشروع موازنة العام 2019 المُرسل من قبل الحكومة إلى المجلس النيابي؛

 

ثانيًا: يجب مُناقشة موازنة 2020 في المهل الدستورية ويجب أن تحوي مزيدًا من التقشّف وخفض هيكلي في الإنفاق.

 

من هذا المُنطلق، نرى أنه حتى لو تمّ تخفيض تصنيف لبنان الإئتماني في الفترة المُقبلة من قبل وكالات التصنيف الإئتماني وعلى رأسها «ستاندرد آند بورز» و«موديز»، لن يكون هناك تداعيات فعلية خلال الأشهر الستّ الثانية من العام 2019 بحكم أن الأسواق المالية أخذت بعين الإعتبار هذه التداعيات التي أصبحت تعكسها أسعار السندات.

 

لكن هناك مؤشرات تدل على ان السيولة ستتحسن خلال الاشهر الستة القادمة. وهذه المؤشرات هي :

 

أولا: تصريح مسؤول قطري لوكالة بلومبرغ البارحة من أن «بلاده تعتزم شراء كمية من سندات الخزانة اللبنانية في إطار المساعدات التي تعهدت بها الدوحة لبيروت وتبلغ 500 مليون دولار». وأن هناك مساعدات إستثمارية كانت قد تعهدت بها قطر للبنان خلال قمّة بيروت ستفي بها.

 

ثانيًا: تصريح الرئيس الحريري خلال مجلس الوزراء من أنه سيكون هناك جلسات لمجلس الوزراء مُخصّصة لمتابعة مقررات مؤتمر سيدر ومشاريعه بالإضافة إلى مناقشة خطّة ماكنزي.