يبدو أن الأزمة المصيرية الأضخم في لبنان هي النفايات وليس الشغور الرئاسي! صحيح أن استمرار الدولة بلا رأس لوقت طويل وغير مقبول هو حالة شاذة وغير طبيعية، ولها أضرار فادحة على المدى المتوسط وكذلك الطويل، ولكن الصحيح أيضاً أن النفايات التي تزداد تضخماً يوماً بعد يوم، هي التي تحدث الضرر الفوري الجسيم في الحاضر اليومي، وفي اليوم التالي والمتكرر بعده بانتظام. وحالة التعثر الحكومي في معالجة هذا الملف المتعلق بالنفايات بلغت حداً صادماً ومفجعاً ومأسوياً، ولم يعد من الجائز أو الممكن السكوت عنه أو التستر عليه… وهذا العقم الحكومي جعل من لبنان الدولة الوحيدة في العالم التي تعاني من أزمة حلول للنفايات على هذه الدرجة من التعقيد والشمول، في حين أن كل الدول الأخرى كبيرها وصغيرها، وجد الحلول التي لم تعد سراً، وهي معروفة لدى الجميع…
***
بدأ الخلل مع وزير البيئة الذي هدر الوقت طويلاً ولم ينبه أو يتحرك لتدارك التداعيات بعد اقفال مطمر الناعمة، ولم يبرئ ذمته أمام الرأي العام، أقله اعلامياً، بالتنبيه الى الخطر الآتي زحفاً زحفاً. وليس من المعروف على وجه الدقة السبب في تصرفه هذا، وهل هو لأنه وزير خامل وكسول وغير نبيه؟ أم هو على العكس ذكي ومثقف وحريص ولكنه خضع لضغوط، فآثر النجاة بجلده، والتخلي عن مسؤولياته، وأن يبتعد عن الشر وعن سلسلة جبل النفايات، ويغني له من بعيد لبعيد! وتصدر المشهد بعده الوزير أكرم شهيب، وقام بجهود صادقة ومشكورة في البداية، وعلى أساس قاعدة ما هو معمول به في العالم، وإن مع بعض التعديلات التي يقتضيها بعض الشهوات اللبنانية. وعندما تقاعست الحكومة عن عجز أو عن قصد بدعم خطته، حدث الأسوأ. أخذ الوزير شهيب يعرج في اطار الخطة البديلة المبنية على صفقة لا تزال غامضة وتثير الشبهات، والمعروفة بخطة ترحيل النفايات! وكانت الخاتمة فضيحة مدوية على أكثر من صعيد.
***
لو كانت الظروف عادية في لبنان لأطاحت أزمة النفايات بهذه الحكومة وبكل من يشد على مشدها. وبما أن هذه الحكومة هي شر لا بد منه، وضرر تنحيها أفدح من بقائها واستمرارها، فقبد بات من الواجب التوقف عند هذا الحد، والعمل على ايجاد بدائل. ومن الواضح أن أزمة النفايات هي اكبر من أن تترك معالجتها للحكومة وحدها. ولعل القادة والزعماء يتخلون موقتاً عن الاهتمام بالشغور الرئاسي، ويجتمعون في مؤتمر وطني يضم ٨ و١٤ آذار والمستقلين ورجال الاختصاص والخبرة، وليستمر انعقادهم في مؤتمر لا يخرجون منه الا بحلول فورية لأزمة النفايات… اذ ماذا يفيد اللبنانيين اذا كسبوا رئيساً وخسروا أنفسهم؟! –