IMLebanon

أكثر تطوراً وأخطر من بن لادن

تنشغل الحكومات الغربية بمحاربة تنظيم «داعش» وسواه من التنظيمات التكفيرية والإرهابية على شبكة الإنترنت مثلما تواجهها في مواقع تواجدها في العراق وسورية، وسواهما من الدول. صارت المواقع الإلكترونية حلبة لنشر افكار هذه التنظيمات ولدعوة الشباب الى القتال الى جانبها او تجنيدهم للقيام بعمليات في اماكن لم يصلها وقد لا يصل اليها على الإطلاق قادة التنظيمات الإرهابية مثل ابي بكر البغدادي وغيره.

هكذا صار ممكناً لشاب مثل مايكل زيهاف بيبو لم يتسنّ له ان يزور سورية للقاء «الداعشيين» وتقديم طلب الانتساب اليهم أن ينفذ ما يخدم غرضهم، من خلال هجومه على البرلمان الكندي والذي جاء رداً على مشاركة المقاتلات الكندية في الطلعات الجوية ضد «داعش» في العراق.

كذلك صار ممكناً للشاب الأميركي زيل طومسون، ان يهاجم رجال الشرطة في حي كوينز في نيويورك بالفأس، بحجة «الجهاد»، من غير ان يكون قد زار اي مخيم تدريب لأي تنظيم متطرف، في الشرق الأوسط او في غيره من المناطق.

انقضى الزمن الذي كان فيه اسامة بن لادن مضطراً لتسجيل اشرطته الدعائية التي كانت تتضمن خطب التحريض ضد الحكومات الغربية، ثم البحث عمّن يتولى ايصالها الى مكاتب قناة «الجزيرة» في الدوحة لتتولى بثّها «الحصري». ما عادت هناك حصرية اليوم، وباتت مهمة البغدادي اكثر سهولة بفضل شبان عرب وغربيين محترفين، يعرفون الطريقة الأفضل لبث اشرطة الذبح والرجم على المواقع الخاصة بهم، او يبعثون الرسائل التي تدعو الشباب إلى الانضمام الى «جنّتهم» عبر «فايسبوك» و»تويتر» وغيرهما من وسائل التواصل المسماة «اجتماعية».

كان يفترض ان يكون الهدف من تطوير وسائل الاتصال هذه هدفاً نبيلاً، هو ربط الناس ببعضهم في هذه القرية الكونية الصغيرة التي نعيش فيها. لكن الجانب الآخر السلبي لهذا الربط هو الذي يستفيد منه قادة التنظيمات الإرهابية لتجنيد المقاتلين والتخطيط للعمليات في العواصم والمدن البعيدة. هكذا صار اكثر وسائل الحداثة في خدمة أخطر افكار التطرف.

نتيجة ذلك، ووفق تقارير الاستخبارات الغربية، اصبح عدد الشباب الغربيين الذين يقاتلون تحت راية «داعش» و»جبهة النصرة» في سورية يتجاوز ثلاثة آلاف، قدموا من بريطانيا وألمانيا وهولندا وفرنسا وسواها. فيما قدّر وزير خارجية كندا عدد الذين انضموا من بلاده الى هذه التنظيمات بمئة شخص على الأقل، واعتبره رقماً «مخيفاً». اضافة الى هؤلاء، هناك مسلحون اسلاميون قاتلوا في حرب البوسنة وعادوا الآن الى القتال الى جانب اخوتهم «المجاهدين».

صارت الحرب التي يخوضها الغرب على الإرهاب وتنظيماته اكثر صعوبة. لم يعد يكفي ان تشن المقاتلات الغربية غاراتها على مغاور تورا بورا لملاحقة بن لادن ورفاقه، او ان تدمر مقر اقامته في أبوت آباد الباكستانية. صار الفضاء الافتراضي هو الساحة المفتوحة لهذه المواجهة، وهي ساحة لن يكون الانتصار فيها مضموناً، الا اذا تم التضييق على وسائل التواصل، مثلما يتم التضييق على حركة المقاتلين على الأرض.

من هنا اهمية التحرك الذي قامت به الحكومة البريطانية اول من امس (الخميس) عندما دعت الى مقر رئاسة الحكومة في داوننغ ستريت المديرين التنفيذيين في «تويتر» و»غوغل» و»فايسبوك» وطلبت منهم اتخاذ اجراءات للحد من نشاط التنظيمات الإرهابية على وسائلهم. بينما تبحث وزارة الداخلية البريطانية ومكتب المدعي العام اللجوء الى احكام قضائية ترغم الشركات التي تؤمن خدمات الإنترنت بإزالة المواقع التي تنشر الدعاية للتنظيمات التكفيرية او التي تدعو الى تجنيد عناصر في خدمتها.

وكان السبب الذي دفع الحكومة البريطانية الى اتخاذ هذا الإجراء الاستثنائي هو ما كشفته عن اتصال احد الدعاة الإسلاميين، أنجم شوداري، العضو في جماعة «المهاجرون» المحظورة في بريطانيا، عبر حسابه على «تويتر»، بالشابين الكنديين مايكل زيهاف بيبو، الذي نفذ الهجوم في أوتاوا، ومارتن رولو، الذي هجم بسيارته على احد العسكريين في كيبك.

غير ان شوداري ليس الوحيد الذي يوظف حسابه على «تويتر» في خدمة نشر افكاره المتطرفة. صار هذا الفضاء عابقاً بهذه الأفكار التي يسقط ضحيتها سذّج وهامشيون في مجتمعاتهم وانتحاريون ساعون الى «الجنة». غير ان الضحية الكبرى ستكون انفتاح المجتعات الغربية على سواها من دون خوف واضطرارها الى اتخاذ اجراءات قاسية تتناقض مع ثقافة الحرية التي كانت تتغنى بها. وهو ما لخصه رئيس وزراء كندا ستيفن هاربر بالقول ان بلاده «فقدت عذريتها» بعد الهجوم الأخير في قلب عاصمتها.