سجّلت الرادارات في الشهرين الأوّلين من مطلع السنة الحالية، أكثر من 60 ألف محضر مخالفة سرعة زائدة بحسب مجموع بيانات قوى الامن الداخلي. وقد بلغ «معدّل محاضر المخالفة 1000 محضر يومياً»، وفق ما أكّده مصدر أمني لـ»الجمهورية»، مشيراً إلى «استحالة تبليغ المخالفين بنسبة مئة في المئة بسبب مجموعة من المطبّات، منها عناوين الإقامة الخطأ وضروب احتيال البعض في اللجوء إلى نسخ لوحات لسياراتهم عن سيارات أخرى شرعية وقانونية».
أحبّ ربيع السرعة في القيادة إلى حدّ كاد «يموت فيها»، لولا تدخّل العناية الإلهية لإنقاذ روحه بينما كان يقود بجنون على إحدى طرقات المتن الأعلى وارتطمت سيارته بإحدى اللوحات الإعلانية إلى جانب الطريق.
ومنذ تلك الحادثة يُمضي ربيع العمر بتأمّل عقارب الزمن من على كرسيه المتحرك والغصّة تحرق صدره، بعدما كان كخلية نحل لا يهدأ، بات ينتظر من يتسنّى له الوقت من محبّيه ليزوره ويُخرجه في نزهة.
من 100 ألف إلى 3 ملايين
تتفاوت نسبة السرعة الزائدة وتختلف معها كلفة الغرامة المالية بحسب ما حدّده قانون السير الجديد المعتمد، 100 ألف ليرة لمَن تجاوز السرعة المحددة حتى 20 كلم/س، 200 ألف ليرة 20 إلى 40 كلم/س. 350 ألف ليرة من 40 إلى 60 كلم/س. ومليون إلى 3 ملايين والسجن بدءاً من 60 كلم/س.
في هذا السياق، يحذّر مصدر أمني عبر «الجمهورية»، من انّ الرادار سيضبط المخالفة بصرف النظر عن حجم السرعة الزائدة، قائلاً: «بعض السائقين يلتزم بالسرعة القصوى المحددة على الطرقات، والبعض يتجاوزها بشيء بسيط ظنّاً منه انّ الرادار لن يضبطه. ولكن في الحقيقة المخالفة مخالفة ولا يمكن التغاضي عنها بصرف النظر عن نسبة التجاوز المسجلة».
أما عن المخالفات الأكثر تسجيلاً، فيقول: «بصورة عامة معظم التجاوزات يتراوح بين 20 كلم/س و40 كلم/س، أي المخالفة ذات قيمة 200 ألف ليرة»، مشيراً في الوقت عينه إلى وجود «بعض المستهترين وعديمي المسؤولية لا سيما في الليل، الذين يتخطّون السرعة المحددة بـ 60 كلم/س، غير آبهين بالغرامات المالية الباهظة والتي تتزامن مع إمكانية حجز السيارة والسجن. المؤسف انّ هؤلاء لا تردعهم الرادارات ولا مناشدتنا تحضّهم على حماية أرواحهم، إلى أن تقع المصيبة فيتّعِظون بعدما يكون إمّا فات الأوان أو بات يتعذّر عليهم القيادة». ماذا عن حجم التدخلات السياسية والوساطة لإلغاء محاضر المخالفات؟
يجيب: «لا شك في انّ اللبناني في طبعه يميل إلى الإستقواء بمن يعرفه فيكثّف اتصالاته بحثاً عن مخرج، لكنّ الواسطة دليل على عدم نضج ومؤشّر لغياب الثقافة المرورية، ومن يسعى لخدمة المخالف كمن يُشجّعه على الانتحار وعلى تكرار تجربة القيادة بسرعة جنونية، وفي لحظة ما فإنّ روح السائق أهمّ من معارف الشخص واتصالاته».
آلية توزيع الرادارات
«كيف موزّعين الرادارات اليوم؟» يكاد هذا السؤال يستحوذ على الحيّز الاكبر من تفكير معظم السائقين، الذين غالباً ما يَقتنصون غياب زحمة السير للقيادة بسرعة، حتى انّ بعض المجموعات على تطبيق الـ«واتس آب» يتبادل الرسائل الصوتية ليس بحثاً عن تعزيز الثقافة المرورية في ما بينهم أو حرصاً على أرواحهم، إنما خوفاً من أن يصطادهم الرادار ليس أكثر»! ولكن وفق أي آلية توزّع الرادارات على الطرقات؟
يجيب المصدر: «أكثر من عامل يتحكّم في توزيع الرادارات وتبديل مواقعها، منها تحقيقات قوى الامن الداخلي في حوادث السير، مراقبة حركة السير، التدقيق في وتيرة الصدامات والحوادث التي تشهدها الطرقات وعدد ضحايا حوادث السير». ويتابع: «بعض الطرقات نُطلق عليها تسمية «نقاط سوداء» نتيجة الكم الهائل من الحوادث التي تشهدها والضحايا الذين نخسرهم عليها، فتلك قد لا تغيب عنها الرادارات ولا لحظة، ورغم التحذيرات لوجود رادارات لا تزال السرعة الزائدة في صدارة المخالفات».
التبليغ ومطبّاته
توزّع القيمة المسددة لمحاضر مخالفة السرعة، بصرف النظر عن حجم السرعة المسجلة، على الشكل التالي: 20 % من قيمة الضبط للبلدية 25 % لقوى الامن و50 % لخزينة الدولة. «إلّا ان نسبة المخالفات المدفوعة لا تتجاوز الـ70 في المئة من المبلغين»، بحسب ما يقوله المصدر.
ورغم انّ المعدل اليومي للمخالفات هو 1000 محضر، بحسب المصدر الأمني نفسه، «يتعذّر تبليغ المخالفين بنسبة 100 %، لجملة من الاسباب: منهم من يسجّلون مكان السكن بطريقة غير واضحة مجتزأة لدى هيئة إدارة السير، أو يبدّلون أرقام هواتفهم، أو أنهم يعتمدون لوحات متلاعَب بأحد أرقامها أو يكون أحدها مَمحيّاً، فيتعذّر على البريد المشغل إبلاغ أصحاب المخالفات».
ويشير المصدر إلى عصابات بلغت مراحل متقدمة من التزوير قائلاً: «قد يلجأون إلى نَسخ لوحة سيارة ثم يضعونها على سيارة أخرى تشبهها بالمواصفات باللون والموديل، فتكون اللوحة المخالفة على سبيل المثال في الشمال والحقيقية في الجنوب، فيتبيّن لاحقاً بعد اعتراض الشخص المبَلّغ في الجنوب بالمخالفة انه لم يَزر قَطعاً الشمال، وانّ المخالف الحقيقي هو شخص آخر، فيتمّ اكتشاف انّ المخالف شخص آخر من أصحاب السوابق». ويلفت إلى أهمية «ان يزور المواطنون موقع قوى الامن الداخلي www.isf.gov.lb ويُدخلوا أرقام لوحات سياراتهم للتأكد من ان لا مخالفة بحقهم».
محاضر ممكننة… قريباً؟
وحيال الكم الهائل من المخالفات، وأعداد السيارات المتزايدة سنوياً على الطرقات اللبنانية في ظلّ غياب النقل العام المشترك، لا يُنكر المصدر انّ بعض التبليغات قد تصِل إلى أصحابها بشكل متأخّر، لأسباب لوجستية أو لخطأ في الداتا، لافتاً إلى «انّ العمل جار الى اعتماد المكننة والإسراع في تبليغ المخالفات لأصحابها، من خلال استحداث مركز لقوى الأمن الداخلي يجمع المخالفات بأسرها على الاراضي اللبنانية ويوزّعها على مفارز السير، يضمّ فريقاً متخصّصاً في تسطير المحاضر بطريقة إلكترونية، لا سيما انه حتى يومنا هذا ينهمك عدد كبير من عناصر قوى الأمن بتدوين المحاضر يدوياً، وتستحوذ أزمة السير على 80 % من جهودهم وانشغالاتهم».
«وجود الرادار لا يكفي»
من جهته، يعتبر مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية والخبير في إدارة السلامة المرورية كامل إبراهيم، «انّ زرع الرادارات على الطرقات سواء الجبلية أو الساحلية وحده لا يكفي»، ويوضح في حديث لـ«الجمهورية»: «أولاً، لا بدّ من مَكننة العملية من ألفها حتى يائها لضمان سرعة تبليغ المخالفين. ثانياً، من أصل 1000 مواطن مخالف قد يسهل التعرّف إلى 600، ومن هؤلاء قد يسدد المخالفة 400 مواطن، وبعد مدة زمنية ليست قريبة من يوم مخالفته. من هنا إنّ التقاط المخالفات وحده غير كاف، ولا بد أن يكون مقروناً بسرعة قياسية في التبليغ وبتحديث دائم لداتا المعلومات عن المواطنين نظراً إلى تعمّد البعض التهرّب من المخالفة».
ويتوقف عند أهمية المرحلة التقييمية لعمل الرادارات، شهرياً وسنوياً، قائلاً: «شهرياً يمكن التأكّد ما إذا نجح وجود الرادار في الحدّ من نسبة وقوع الحوادث على الطريق الفلانية، والاستفسار أين يكمن الخلل بتكرّر الحوادث نفسها؟ هل باتَ السائقون يحفظون أمكنة وجود الرادارات فيخففون سرعتهم عند مرورهم وسرعان ما يسرعون؟ وغيرها من الاسئلة التحليلية التي يمكن أن تجعل من عمل الرادارات أكثر فعالية وإنتاجية، لا سيما على مستوى آليّة توزيع الرادارات على الطرقات وتبديلها ضمن خطة وطنية مشتركة شاملة تَتكاتف بها الاطراف المعنية إلى جانب القوى الامنية، وبالتالي يبقى السائق يَقظاً. وتِباعاً، تنمو لديه نظرية الردع والتراجع عن ارتكاب المخالفة».
ختاماً، لا شك في انّ الاعتماد التدريجي على اللوحات البيومترية ضاعَف الرهان على لَجم حركة عصابات تزوير لوحات السيارات من جهة، كما أنّ مساعي الاجهزة الامنية في تطبيق قانون السير الجديد ساهم في تطوير الثقافة المرورية لدى المواطنين، من جهة أخرى. كذلك فإنّ أرواح الشباب التي نخسرها يومياً تشكّل أكبر عبرة على أهمية الإلتزام بالسرعات المحددة، ولكن يبقى تطوير النقل العام المشترك الحل الوحيد لأزمات السير المتعددة وللمخالفات المرتكبة والجهود المهدورة والأوقات «المحروقة».