IMLebanon

أكثر من 90 أعجوبة في سَنة… هكذا شَفاهُم مار شربل

 

 

حَملت صورةَ وحيدِها رقَّصتها في وداعه، ليس طرباً إنّما مذبوحة من شدّة الألم والاشتياق، بعدما ابتلعه شبح الموت نتيجة حادثِ سيرٍ مروّع، فيما يُصارع حفيدها مرضَ السرطان. فلم تجد تلك الجدّة الثكلى إلّا أحضانَ القديس شربل ترتمي فيها، وتضع عند قدميه أوجاعَها: «دخيل إسمَك ردّ عنّو وطوِّلي عمرو»، تُتَمتِمها وهي تدخل الكنيسة زحفاً على ركبتيها. كيف لا تلجأ إليه وهو «من صَنع خلال سنة أكثرَ من 90 أعجوبة» وفق ما أكّده القيّم على دير مار مارون عنّايا والمسؤول عن تسجيل شفاءات ومعجزات القدّيس شربل الأب لويس مطر، في حديثٍ خاص لـ»الجمهورية»، مشيراً إلى أنه «في تاريخ سجلّات الدير أكثر من 27 ألف أعجوبة مسجَّلة حتى منتصف العام 2018، وقِسم منها مع أشخاص غير معمَّدين».

يقصدونه من كلّ أصقاع العالم مثقلين بهموم الحياة ووجعِ القلب وتأنيبِ الضمير، يأتونه محطّمين، ضعفاء، خائبين، مهزومين، متعطّشين إلى أذن تسمعهم، ويدٍ تُكفكف دموعهم وذراعين تغمرانِهم… فيلقاهم عند الباب، بشماله يمسِك الكتاب المقدّس وبيمينه يُشير إلى السماء. بالنسبة لعابِر السبيل قد يكون مجرّدَ تمثالٍ أسود اللون، مغروزاً عند مدخل الدير في عنّايا، إنّما لقاصديه فهو من لحم ودم، يتهافتون لإلقاء التحية عليه، وتقديم الزهور له، والتقاطِ الصور معه، كيف لا وهو لا يكلُّ من سماعهم ولا يملّ، في الليل كما في النهار، فالدير يعجّ بالمحبّين على مدار السنة، إذ يقصده سنوياً «نحو 5 ملايين زائر»، وفق ما قاله الأب لويس مطر، مشيراً إلى «أنّ الجنسيات التي تقصد الدير لا تُحصى ولا تُعدّ، فمِن قارّات العالم كلّها يأتون».

لا يُرفض طلبُه

مطر الذي يُمضي حياته في الدير منذ العام 1981، ويُشرف على تدوين الأعاجيب والاستماع إلى شفاءات المؤمنين، لا يزال يندهش يومياً بما يصنعه القديس شربل: «بيعمِل الـ ما بيخطُر ع بال حدا»، يقولها مبتسِماً: «يتدخّل حيث يعجز الطبّ، وتضيق مخيّلة الانسان، في لحظة يَعتبرها المرء أنّها النهاية، فتكون بحدّ ذاتها البداية. ما مِن حدود جغرافية ولا زمانية ولا طائفية لتدخّلِه، يتنقّل من دون «باسبور». إمتلأ شربل من الله غرقَ به إلى حدٍّ لم يعد يرفض له الله أيّ طلب».

يَحار الأب مطر من أين يبدأ كلامه في حديثه عن معجزات القديس شربل، فيقول، «في طلب الشفاء استجاب، وفي حوادث السير لبّى النداء، ومع العاقر لم يبخل، ردَّ عن البعيدين والقريبين والمسافرين والضالّين». ويتوقّف عند أغرب الأعاجيب، قائلاً: «زارني أحد المغتربين اللبنانيين متبرّعاً للدير، فأعطيتُه بخوراً وزيتاً وكتابَ سيرة القديس شربل في اللغة الانكليزية.

وعند عودته إلى أميركا قدّم الكتاب إلى جارته الاميركية التي أعجِبت بالقديس شربل وبدأت الصلاة من أجله مخبِرةً عنه أحفادها، إلّا أنّ مِن بينهم مَن كان ملحِداً، كان يتجاهل حديثها عنه».

ويضيف: «إلّا أنّ هذا الحفيد كان مولَعاً بسباق السيارات، وذات مرّة اندلع حريق في مقدّمة سيارته، وقبل أن تنفجر به، صرَخ: «يا قدّيس لبتصلّيلو جدّتي»، وسرعان ما فُتح باب سيارته وقوّةٌ إلهية رَمته أمتاراً بعيداً من الحريق ثمّ انفجرَت السيارة. بعد تلك الحادثة زار الحفيد جدّته وسألها عن اسمِ القدّيس بعدها كتب له رسالة شُكر، فأعطتها الجدّة لجارها اللبناني الذي بدوره نَقلها إلى لبنان وسجلّات الدير».

حادثة أخرى لا تقلّ غرابةً، وقعت مع عائلة مطر في مونريال، حين شاركَ رجل وعائلته في زفاف صديقه في ولاية ميتشغن، وعند عودتهم ليلاً تعرّضوا إلى حادث سير وارتطمت نحو 10 سيارات ببعضها، فصرَخ الوالد: «يا مار شربل خِدني بَس حميلي عيلتي»، وظهر عليه القدّيس شربل قائلاً: «بدّي خلّص الكِل». عند وصول الصليب الأحمر بدأ بسحبِ الضحايا والجرحى من السيارة، أمّا بالنسبة إلى أفراد تلك العائلة اللبنانية، ورغم الاستعانة بأدوات لقصِّ الحديد وإخراجهم، لم يصَب أيٌّ منهم بأذى».

شفاءات بالجملة

ينتقل مطر إلى الحديث عن أعجوبة مع مهندس عراقي متأهّل وله ولدان، «أصيبَ بسرطان الكبد، خضَع لعملية جراحية، ثمّ لعلاج كيميائي، وبعدها أصابَه المرض في الغدد اللامفونية، وبات وضعُه الصحي محرجاً، فقرّر اللجوء إلى الصلاة للقدّيس شربل، وفي إحدى الليالي بينما كان نائماً رآه في حلمِه وإلى جانبه راهبان، وبعد هذا الظهور اختفَت أوجاعه».

ويتابع مطر: «عانت معلّمة لبنانية من الغدّة الدرقية، على إثرها دخلت مستشفى ماريوسف الدورة، وخضَعت للعلاج لمدة طويلة إلى أن تماثلت للشفاء وارتاحت. لكن منذ شهر عاودتها العوارض، فراجعت طبيبتها، ووصَفت لها الدواء مجدداً.

إلّا أنّ تلك المعلّمة الشابة، نذرَت أن تشارك في مسيرة السيّدة نهاد الشامي في 22 من كلّ شهر، وبينما كانت متوجّهة إلى المحبسة، شعرَت بأنّ أحدهم أمسَك عنقَها، ومن تلك اللحظة اختفت الأوجاع، وشعرَت بأنّ القديس شربل قد شفاها، عادت وزارت طبيبتَها فأكّدت لها بأنّها تعافت».

أمّا ما حدثَ مع أحد المدرّسين وهو على فراش الموت، فلا يقلّ غرابةً، يروي مطر: «قدّم رئيس رابطة الأساتذة في إحدى المدارس «دخيرة مار شربل» للمعلّمين، من بينهم مَن كان مصاباً بالسرطان، وبينما هو ينازع على فراش الموت، طلبَ من شقيقته أن تحضرَ له «الدخيرة»، من المنزل من جيب قميصه، وما إن أحضَرتها له، حتى كسَرها بأسنانه إلى حين «ابتلعها»، وسرعان ما اختفى منه المرض، ومنذ تلك اللحظة وهو يداوم على زيارة القديس شربل بسعادةٍ لا توصَف».

ويضيف مطر: «لكن ذات يوم صادفت الأستاذ نفسَه وكأنّ علامات استفهام على وجهه، فاقتربتُ منه أسأله ما بالك؟: «فأجاب، كنتُ أفكّر لماذا القديس شربل شفاني ولم يَختر سواي، فسألته: هل أنت مزعوج بشفائك؟ فأجاب ضاحكاً: «لا، أبداً، ولكنّ الشفاء مسؤولية وما عاد بوسعي العودة إلى الخطيئة».

على أيّ أساس يشفيهم؟

في وقتٍ ينقسم المشهد في حنايا الدير، وأمام ضريح القدّيس شربل ما بين شاكرٍ على أعجوبة حدثت معه، وآخَر متوسّلٍ لأعجوبة أو شفاء، سألنا الأب مطر، على أيّ أساس القديس شربل يشفي فلاناً ويَسمح بأن تذرفَ دمعة فلان؟ أخَذ مطر نفساً عميقاً، وبوجهٍ بشوش ينضَح إيماناً ورجاءً أجاب: «القدّيس شربل لا يتأخّر في الاستجابة، ولكن بما أنّني أدوّن العجائب منذ العام 1981، بات لديّ فكرة نوعاً ما لماذا يَشفي ذاك دون سواه، لا بدّ من أن نفهم جيّداً أنّ الغاية لدى القدّيس شربل قداستُنا، لذا البعضُ يتقدّس في الشفاء والبعض الآخر يتقدّس بالألم، وفي الحالتين يبتعد المرء عن الخطيئة ويقترب أكثر من الله».

حتّى في الإنجاب

تُشكّل نسبة الشفاء من مرضِ السرطان الحيّزَ الأكبر من الأعاجيب المسجَّلة في سجلّات الدير، إلّا أنّ القديس شربل يتدخّل أيضاً في المقدرة على الإنجاب، فيقول مطر: «رَجلٌ لبناني متأهّل من سيّدة برازيلية منذ 7 سنوات ولم يطعمهم الله ولداً.

أجرَيا فحوصات طبّية، وتبيّن أنّ كليهما لا يُنجبان الأولاد، فكانت لهما كالضربة القاضية، إلّا أنّهما قصَدا كاهناً مارونيّاً فقدّم لهما تِسعويةَ مار شربل، طالباً منهما رفعَها مدة 9 أيام».

ويتابع: «ظهرَ القديس شربل للزوجة ليلاً وقال لها سأمنحكِ صبيّاً تُسمّينه شربل جورج، وبعد مدة ظهر للزوج، وقال له سأمنحكَ صبيّاً وتسمّيه يازوس إيمانويل، أي يسوع إلهنا معنا. وبعدما وضَعت الوالدة طفليها أتيا إلى لبنان حاملَين تقارير طبّية، يشكران القدّيس شربل».

ويروي مطر عن سيّدة أخرى: «قطعَت الأمل من الطبّ، ويتعذّر عليها الإنجاب، تلت تسعويةَ القدّيس شربل، وفي اليوم التاسع ظهر لها حاملاً طفلاً، وبعد مدة اكتشَفت أنّها حامل، وبعدما أنجَبت صبياً عمّدته في عنّايا ووزّعت ذِكرى العمادة تمثالاً للقدّيس شربل يَرفع طفلاً».

فيما نستعدّ للاحتفال في عيد القديس شربل يوم غدٍ الأحد، سيُقام القدّاس الاحتفالي عند السابعة مساء اليوم، يحتفل به رئيس عام الرهبانية اللبنانية الأب العام نعمة الله الهاشم، يليه مسيرة بالمشاعل من الدير إلى المحبسة. أمّا بعد قداس منتصف الليل فسيكون المؤمنون على موعد مع سماع أكثر من 90 أعجوبة للقدّيس شربل لهذه السنة (من 15 تموز 2017 حتى 15 تموز 2018).

وختاماً، من الأب مطر رسالة إلى المؤمنين: «شربل علامة على طرقات حياتنا ليقودنا إلى التوبة والمصالحة وإلى محبّة بعضِنا. هو المصالح والشافي، والمبلسِم. يهمّه أن نعيش بسلام ومحبّة، وبفرح. يعرف بأكثر من طريقة أن يوجّهنا إلى الملكوت، لذا لا نيأس من محبّة الله ورحمتِه لنا، كلّ ما في هذه الدنيا فانٍ، مِن مالٍ وشهوات، وما مِن خلاصٍ إلّا في الرب».

ويبقى أن نردّد للقدّيس شربل: «يا قدّيس لـ مِن عِنّا صلّي عَنّا، ضوّيت سراجَك بالمي ضوّي العتمة بموطنّا».