إنضمّت روسيا الى فرنسا في التحذير من مخاطر استمرار تدهور الأوضاع في لبنان وتعذّر تشكيل حكومة تتولّى تنفيذ برنامج إصلاحي إنقاذي.
وروسيا تعرف لبنان جيداً. منذ ايّام الاتحاد السوفياتي كانت مهتمّة به موقعاً وبلداً متميّزاً. سفراؤها الذين عملوا في بيروت غادروا وكأنّهم يغادرون وطناً ثانياً، وكتبوا مذكّرات ورسائل تُظهر مدى تعلّقهم ومحبّتهم لهذا البلد من جهة، ومدى إعجابهم بحيوية شعبه. وفي مذكّرات السفير السوفياتي الأخير الى لبنان فاسيلي كولوتوشا الكثير من التفاصيل عن هذا البلد، من طبخه ومضيافيته، الى تركيبته السياسية بتنوّعها وهواجسها، مروراً بمخاطر العيش فيه في زمن التوترات، وهو ما مسَّ بالديبلوماسيين الروس مباشرة في ثمانينات القرن الماضي.
وفي زمن ما بعد الاتحاد السوفياتي، واصلت موسكو علاقاتها مع الدولة اللبنانية ومع القوى السياسية على اختلافها، وأبقت على روابطها التقليدية مع حلفاء “الزمن السوفياتي”، ووطّدتها مع مختلف القوى الأخرى بمن فيها خصوصاً الرئيس رفيق الحريري ونجله رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري. وعلى مدى السنوات الماضية استقبلت وفوداً من مختلف القوى السياسية التي بدأت تشعر بحيوية الدور الروسي في المنطقة، خصوصاً بعد انخراط موسكو في الأزمة السورية وحضورها الذي لا غنى عنه في أي تسوية مقبلة لهذه الأزمة.
والآن يبدو أنّ روسيا كوّنت خلاصاتها لطبيعة الأزمة والحل في لبنان. وفي البيان الصادر عن لقاء وزير خارجيتها سيرغي لافروف والحريري في أبو ظبي إشارات واضحة الى دعمها ترؤس الحريري حكومة تتمتّع بدعم القوى اللبنانية الاساسية. وعندما ستستقبل وفد “حزب الله” الاسبوع المقبل سيكون هذا التوجّه واضحاً، فلبنان “مهدّد بالانهيار” حسب صحافة موسكو، ولا يجوز الاستمرار في الخلافات بين عون والحريري حول هيكل الحكومة والتي “حالت دون تشكيل حكومة على مدى أربعة اشهر. فشدّ الحبل بين الخصوم السياسيين لا يؤدّي الا الى مزيد من تفاقم الوضع في البلاد في جميع القطاعات تقريباً: الاقتصادي والمصرفي والطبّي”.
بلوتينكوف، المسؤول في اكاديمية العلوم الروسية، كتب ان “دعوات البطريرك الماروني لعقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان وإعلان حياده” لاقت انتقاداً من “حزب الله”، لكنّ البطريرك، يتابع بلوتينكوف، “أصبح في الوقت الحالي بالنسبة للكثير من المواطنين، بصرف النظر عن انتمائهم الديني، واحداً من الآمال الأخيرة في انقاذ الدولة الآيلة الى الانهيار”.
على الأرجح ستقول موسكو هذا الكلام لضيوفها من “حزب الله”، وهذه المرّة من موقع الطرف الدولي القويّ. فواشنطن فتحت لموسكو بطريقة ما طريق الدول العربية الخليجية المؤثرة امام الروس، وهم بتقاربهم مع الفرنسيين، الأقدر الآن على محاولة خرق حالة “عدم مساعدة المسؤولين اللبنانيين لبلدهم”، كما قال وزير الخارجية الفرنسي.