IMLebanon

«موسكو ـ 2»… صفَّقوا لم يصفّقوا

أُسدِلت الستارة على النسخة الثانية من منتدى موسكو التشاوري في شأن الأزمة السورية، بعد سلسلة لقاءات جَمعت أطيافَ المعارضة الداخلية فيما بينها لتتوّج اجتماعاتها بحوار مباشَر مع ممثّلي النظام برعاية روسيّة.

ما نتجَ عن «موسكو 2» كان متوقّعاً، إذ إنّ الفترة الفاصلة ما بينه وبين سَلفه «موسكو1» لم تشهَد حراكاً روسيّاً شبيهاً بذلك الذي قام به الديبلوماسيون الروس عشيّة المنتدى الأوّل، ما يعني أنّ الرهان على تحقيق نتائج ملموسة لم يكن في الحِسبان لدى رعاة هذا المنتدى والمشاركين فيه أيضاً، ممّا جعَله مجرّد جولة استطلاعية في الوقت الضائع.

وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول ما أنتجَته مشاورات موسكو، إلّا أنّه يسَجَّل لها النجاح في جمع السوريين للمرّة الثانية على طاولة واحدة، والتوافق على الاستمرار في البحث عن حلول سياسية للأزمة، ما يَعتبره المعنيون في روسيا خطوةً مهمّة في مسار العودة إلى العملية التفاوضية تحت سقف جنيف.

وتؤكّد أوساط روسية متابعة لجلسات الحوار أنّ مشاورات موسكو قد وفّرَت مساحة واسعة لتبادلِ الآراء بين أطراف النزاع السوري، كذلك لعبَت دوراً مهمّاً في توفير الأجواء الملائمة لوضع قطار التفاوض على السكّة الصحيحة من خلال معالجة كثيرٍ من النقاط الخلافية، وهذا ما بَرز في التوافق على مجموعة بنود في ورقة العمل، الأمر الذي يُعتبَر مؤشّراً على نيّة الأطراف كافّة الاستمرارَ لاحقاً في حلقات حوار مباشَر، بغَضّ النظر عن المكان والزمان.

وفي ما يتعلق بغياب بعض أطياف المعارضة عن حوار موسكو، تؤكّد الأوساط أنّ أبواب التشاور لا تزال مفتوحة، وأنّ روسيا مستعدّة دائماً لتوفير المناخات اللازمة لجَمع السوريين الراغبين في إيجاد حلّ سياسيّ للأزمة.

وتَعتبر هذه الأوساط أنّ ما تحَقّق في جولتَي موسكو الأولى والثانية لا يلغي دور أيّ طرَف في الأزمة السورية، وتشير إلى أنّ بعض المشاركين قد وعدوا بالتواصل مع الأطياف المنضوية تحت راية الائتلاف لحَضِّها على فتح قنوات النقاش مع الأطراف كافّةً، خصوصاً أنّ الرهان على الحسمِ الميداني قد سَقط من حسابات كلّ الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية.

وفيما يبدو الجانب الروسي متفائلاً، فإنّ تبادلَ الاتّهامات بين ممثلي الحكومة والمعارضة يشير إلى أنّ الأجواء في الجانب السوري أكثر حَذراً، في اعتبار أنّ أيّ «دعسة ناقصة» على طريق التفاوض ستكون حاضرةً بتداعياتها لاحقاً.

وعلى خط المعارضة، فإنّه كان واضحاً أنّ الخلافات في الرؤية تسود صفوفَها، حتى في تقدير نِسَب المصَفّقين لبنود الاتفاق. كما أنّ التشاؤم كان سيطغى كلّياً على أجواء بعضِهم لو أنّ تمضية أسبوع في فندق رئاسيّ فخم في العاصمة الروسية لم تفعل فعلها.

وفي قراءة سريعة لبنود التوافق التي أعلنَتها موسكو، فإنّ ما يمكن ذِكرُه في هذا المجال هو أنّه لم يغفل «جنيف 1». أمّا ما تبقّى مِن بنود، فيبدو وكأنّها نُسِخَت من خطابات خمسينيات القرن الماضي وشعاراته، أو مِن أدبيات «حركة التحرّر العربي»، لأنّ وحدة أراضي سوريا وسيادتها ليسَتا موضعَ خلاف بين الأطراف المتنازعة، كما أنّ رفضَ التدخّل والإملاءات الخارجية لم يكن يوماً مطروحاً لدى أيّ طرَف، ناهيك عن أنّ بندَ مكافحة الإرهاب هو محَطّ إجماع في الأساس، وبالتالي فإنّ إدراجَه على لائحة البنود لا يتعدّى محاولات استغلال الجرائم الإرهابية في سوريا لمصلحة تحقيق أهداف سياسية على طاولة التفاوض.

أمّا البند الأكثر إثارةً للتساؤل فكان بند «الالتزام بتحرير الأراضي السورية المحتلّة كافّةً»، في اعتبار أنّه لم يوضِح مَن سيعمل لتحرير الأرض وممّن يجب أن تُحرَّر؟ وما هي طرُق التحرير وأساليبه ومقوّماته في ظلّ انعدام الإمكانات كلّياً، بعدما أتت الحرب في البلاد على البشَر والحجر؟.