فتحَت روسيا باباً واسعاً أمام القيادات اللبنانية لزيارتها. فبعدَ الرئيس المكلّف سعد الحريري يوجد على قائمة الإنتظار جبران باسيل ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية وطلال أرسلان وآخرون الذين سيقصدون هذه الدولة الكبرى، وريثة الإتحاد السوفياتي، التي حقّقت حيثيّةً مشهوداً لها في إعادة حدّ من التوازن مع الولايات المتحدة الأميركية بفضل عوامل أبرزها قيادة «القيصر الجديد» فلاديمير بوتين، وسياسة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي مكّن روسيا الإتّحادية من أن تعود بقوّة إلى ساحة التنافس بين القطبين الكبيرَين منذ أن وافقَ على أن تتولّى مسألة معالجة عمليّة نقل السلاح الكيميائي السوري إلى الخارج… فكان الدخول الكبير من الباب السوري.
ولا يمكن تجاهل عنصرَين آخرين في هذا المجال أوّلهما رعونة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أدّت سياسته المزاجيّة إلى إعادة الروح إلى الحرب الباردة، والثاني التحالف السياسي من المُنطلق الإقتصادي بين روسيا والصين التي هي ذات ثاني أكبر إقتصاد في العالم.
لبنانياً، نجحَت موسكو في أن تضع ذاتها في موقع ناصح الأطراف الداخلية كلّها من دون أن تكون مع فريق على حساب آخر. والذين زاروها إستمعوا، كما سيستمع الذين سيزورونها تباعاً، إلى إصرارها على تشكيل حكومة «فاعِلة وإصلاحية» برئاسة سعد الحريري… و»شكلوها وستلقون منّا كلّ دعم».
تعود العلاقات اللبنانية – الروسية إلى القرن السادس عشر أيام القيصر إيفان الرابع (الرهيب Le Terrible) الذي انتقل من أمارة موسكو إلى زعامة روسيا كلّها في العام 1547، وكان قدّم مساعدات وُصِفَت بـ»السخيّة» إلى بطريركية أنطاكية الأرثوذوكسية. وفي العام 1773 أنزلَت البحرية الروسية قوّات في الثغر اللبناني نحديداً في ميناء ما جرجيوس على شاطئ بيروت، وساندَت الأهالي ضدّ الباشا العثماني، ما أدّى إلى تسمية إحدى ساحات بيروت بـ»ساحة المدفع» ولا تزال التسمية حتّى اليوم. وقتلى البحرية الروسية الذين سقطوا في تلك المواجهة مع العثمانيين دُفنوا في الأشرفية في مدافن مار متر.
منذ ذلك الحين، وُجِد إتّجاهان في أرثوذوكس لبنان وفي المنطقة عموماً بين التعاطف مع روسيا الأرثوذوكسية أو مع اليونان الأرثوذوكسية أيضاً. وآخر ملوك اليونان (قسطنطين الثاني) الذي سقطَت الملكية في عهده عام 1973 بعدما ورث العرش عن والده الملك بول عام 1964، كانت صوره معلّقة في صالونات المنازل الأرثوذوكسية اللبنانية كما تصدّرت المقارّ البطريركية والمطرانيات.
أمّا في الحرب اللبنانية فكان الإتحاد السوفياتي، بزعامة موسكو، يدعم بقوّة الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط، وهذا «الفضل» إعترف به نجلهُ وليد مراراً وتكراراً.
واليوم يأمل اللبنانيون أن يكون الدور الروسي في لبنان مُنطلقاً من الحرص على مصلحة هذا البلد الذي يُعاني كثيراً ولم يعد يجد يداً تمتدّ إليه بمشروع إنقاذ حقيقي.