Site icon IMLebanon

آمال موسكو ومخاوفها

 

حين بدأ تحرك روسي مستجد في شأن الأزمة الحكومية المستعصية، عبر اتصال الممثل الخاص لرئيس روسيا في الشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف مع الرئيس المكلف سعد الحريري، بهدف ثنيه عن الاعتذار، لم يرق لبعض الأوساط هذا التوجه الروسي، فبلغ بها منطق الإنكار الذي تمارسه منذ بداية الأزمة حد تكذيب الخبر الذي وزعته وزارة الخارجية الروسية، إن على موقعها الإلكتروني أو على موقع سفارتها في بيروت، أو عبر وسائل الإعلام الروسية.

 

لكن الخارجية الروسية عادت فكررت في بيانها عن اتصال بوغدانوف برئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية الموقف نفسه الإثنين 12 تموز، حين أكدت على أن البحث تناول “عرقلة مهمة تشكيل حكومة مهمة قادرة برئاسة سعد الحريري”.

 

وسواء كان هدف من سعوا إلى إنكار صحة موقف موسكو التمنيات بأن تفشل جهودها في ثني الحريري عن الاعتذار، لأنهم ينتظرون ساعة التخلص منه بفارغ الصبر، أم كانت تمنياتهم ألا يتقاطع الموقف الروسي مع موقف أوروبي أميركي، ضاغط في لبنان، فإن نظرة القيادة الروسية إلى البلد تنطلق من خلفية أبعد من الحسابات اللبنانية.

 

عاملان وراء التحرك الروسي. الأول يتعلق بمخاوف موسكو من الفوضى التي ستسببها إطالة الفراغ الحكومي إلى أجل غير مسمى، بسبب عدم القدرة على التوافق على تكليف شخصية بديلة للحريري في حال حسم الأخير أمره بالاعتذار، نتيجة فقدان الأمل بأن تكون من تكنوقراط غير حزبيين بلا ثلث معطل لأي فريق. وهذا سبب تضمين البيانات الثلاثة الصادرة عن الخارجية الروسية، بعد اتصال بوغدانوف بالحريري وفرنجية ثم باسيل، “ضرورة الوصول إلى توافق وطني بين كل القوى السياسية والطائفية الأساسية الفاعلة، على مبادئ الوحدة الوطنية ووحدة الأراضي اللبنانية والاستقلال والسيادة”. فالجديد في هذه العبارة أن موسكو تطلب من القوى السياسية المحلية أن تتفق على حفظ الوحدة والاستقلال والسيادة، ولم تأتِ في سياق تكرار موقف مبدئي كالذي يصدر عن سائر الدول، حيال الوضع اللبناني. الدعوة الروسية إلى الفرقاء اللبنانيين كي يحفظوا هم بلدهم مؤشر إلى مخاوف الروس من أن يؤدي الانقسام اللبناني إلى التسبب بشرذمة البلد، في شكل تستفيد قوى خارجية من تقسيم البلد إلى مناطق نفوذ لتدير كل منطقة الانهيار الكامل فيها على طريقتها. وقد ينقل هذا الأمر التناحر في البلد إلى مرحلة خطرة أمنياً.

 

العامل الثاني الذي يشكل دافعاً للتحرك الروسي من أجل تجنب اعتذار الحريري، على رغم أن الأخير أبلغ بوغدانوف أنه ليس مستعداً لتحمل مسؤولية المزيد من الانهيار الكارثي، جراء عرقلة الفريق الرئاسي لتشكيل الحكومة، أن موسكو لا تريد إخلاء الساحة اللبنانية للتناحر الغربي الإيراني الذي ظهرت ملامحه بعد اللقاءات الأميركية الفرنسية السعودية، على مستوى الوزراء والسفراء. فهي تلتقي مع الدول الغربية ومع الموقف المصري في شأن وجوب إنهاء الفراغ الحكومي في البلد في أقصى سرعة، وعلى أن يرأس الحريري الحكومة وفق التوازنات الداخلية اللبنانية وبسبب الحاجة إلى الاعتدال السني الذي يمثله، لكنها تتنافس معها على الأدوار في البلد الصغير، وتختلف وإياها في شأن العقوبات التي تنوي فرضها، والضغوط التي تخطط لممارستها على بعض الفرقاء وخصوصاً “حزب الله”. أي أن الجانب الروسي يمسك العصا من منتصفها في لبنان الذي ربما يكون أحد ميادين التفاهم مع واشنطن، تحت عنوان تفادي تحول الانفجار الاجتماعي اللبناني إلى انفجار لصراع أمني وعسكري له أبعاد إقليمية.