ألقى اجتماع قصر بعبدا «التحفيزي» مع ممثلي مجموعة الدعم الدولية للبنان حجراً في مياه راكدة، الّا انه لن يكون كافياً على الأرجح لـ«تسييل» المساعدات المفترضة قريباً، في ظل شروط الجهات الخارجية المانحة، مُضافاً اليها تحدّي فيروس كورونا الذي بَعثر أوراق العالم وأمواله.
اذا كانت مكوّنات مجموعة الدعم الدولية للبنان تلتقي حول مبدأ تقديم المساعدة المشروطة بالاصلاحات، فإنّ ذلك لا يحجب التباينات والتمايزات الموجودة بينها، ولا سيما بين روسيا والدول الغربية المانحة، حيال فلسفة الإصلاحات المطلوبة و»بطانتها» السياسية، والحدود التي يجب أن تصل اليها، وطبيعة الدور الذي يمكن أن يؤديه صندوق النقد الدولي في «الإنقاذ».
وهذه الحقيقة يعكسها، على طريقته، السفير الروسي لدى بيروت ألكسندر زاسبيكين الذي يتقيّد بـ«الحجر الدبلوماسي» في مقر السفارة الروسية، ولا يخرقه الّا للضرورة، كما حصل حين شارك امس الأول في اللقاء الموسّع الذي دعا إليه الرئيس ميشال عون في بعبدا. أمّا خارج دائرة الاستثناء فإنّ زاسبيكين يتحايَل على «الإقامة الجبرية» التي فرضها كورونا بممارسة الرياضة في حديقة السفارة والتواصل عبر الهاتف والسوشيال ميديا مع الأصدقاء.
ويقول زاسبيكين لـ«الجمهورية» انّ موسكو تؤيد اي خطوة لبنانية ترمي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والمالية في إطار الهدف المُعلن من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون وهو الانتقال إلى الاقتصاد المنتج، «بينما هناك قوى غربية تحاول، من خلال مطالبتها بالاسراع في الإصلاحات، الدفع نحو الذهاب إلى صندوق النقد الدولي الذي لا تكون وصفاته إيجابية على الدوام».
وفي استعادة لشيء من تراث الاشتراكية والبروليتاريا، يشدّد زاسبيكين على أهمية الّا تمسّ الإصلاحات الاقتصادية والمالية مصالح الفقراء وذوي الدخل المحدود حتى لا يتضرّر الأمن الاجتماعي للناس، معتبراً انه من غير الجائز، وفق قناعتنا، الاستسلام لشروط صندوق النقد، «ولا سيما انّ تجارب عدد من الدول معه لم تكن مشجّعة، إنما من دون أن يمنع ذلك إمكان الاستفادة منه بالمقدار المدروس، وعلى كلّ يعود للدولة اللبنانية وحدها ان تتخذ الموقف المناسب الذي تجده متلائماً مع متطلباتها ومصالح شعبها».
ويضيف السفير الروسي: «أنا أتفهّم ملاحظات او هواجس بعض القوى السياسية والاجتماعية في لبنان إزاء صندوق النقد، ومخاطر بعض طروحاته على السيادة الوطنية، ورأيي الشخصي انّ المطلوب هو التعاون معه وليس الخضوع له، على قاعدة ان ليس كل ما يطرحه سيئ وليس كل ما يطرحه جيد».
وفيما داهَم فيروس كورونا العالم وفرض على كثير من الدول الاهتمام بأمورها واحتياجاتها اولاً، ما يهدّد بمزيد من التهميش والإهمال للبنان، يلفت زاسبيكين الى انّ وباء كورونا ربما يكون قد فرض على كل دولة ان تنشغل بأوضاعها الداخلية، «لكن لا ينبغي أن يؤدي ذلك إلى التخلّي عن لبنان وشَطبه من جدول الأعمال الدولي. وبالتالي، يجب تنفيذ ما سبق ان تمّ الاتفاق عليه سابقاً، خصوصاً لجهة مقررات مؤتمر «سيدر»، مؤكداً انّ «أولوية كورونا الطارئة لا تتعارض مع ضرورة مساندة لبنان ومنحه الدعم الذي يحتاج إليه».
وعن ربط الدول المانحة تقديم المساعدات بتطبيق الإصلاحات، يقول زاسبيكين: «أظن انّه من الضروري مكافحة الفساد والهدر ومعالجة ملف الكهرباء، وغيرها من الأمور الملحّة التي تندرج أصلاً في إطار الواجبات البديهية، بغضّ النظر عن كورونا وحتى عن المساعدات، مع العلم انّ الحكومة تسعى الى إرضاء الجهات والمنظمات الدولية المعنية من خلال برنامج مقنع للإصلاحات».
ويضيف: «لعل هناك حاجة إلى تحقيق نوع من التوازن بين بعض مطالب الغرب وصندوق النقد وبين الإصلاحات الحيوية التي ينبغي على لبنان تطبيقها، لأنني أخشى من احتمال ان يؤدي تجاوز الحدود إلى تداعيات سلبية على الواقع الاجتماعي والمستوى المعيشي للمواطنين».
ويشير إلى أنّ الرئيس عون ورئيس الحكومة حسان دياب يعملان في هذا الاتجاه، «والمواقف التي سمعتها منهما خلال الاجتماع مع سفراء مجموعة الدعم الدولية في قصر بعبدا كانت إصلاحية وصريحة وبنّاءة»، آملاً في ألّا يكون لدى احد من المعنيين دولياً بتقديم المساعدة أيّ نية للتسييس، بغَرض جرّ لبنان الى مكان آخر.
ويشدد زاسبيكين على أنّ موسكو مستعدة للمساهمة، قدر المستطاع، في نهوض لبنان، موضحاً انّ هناك اهتماماً لدى شركات روسية بالاستثمار وتنفيذ المشاريع في هذا البلد، سواء في قطاع الكهرباء او غيره.
ويكشف انّ موسكو درست ما الذي يمكنها ان تقدّمه لمؤازرة لبنان في مواجهة كورونا، واتخذت قراراً بمَنحه أدوات للفحص وتشخيص المرض، الّا انّ وقف الرحلات الجوية تسبب في تأخير الشحن، «ونحن ننتظر توافر الفرصة المناسبة وإتمام الإجراءات اللوجستية لنقل الشحنة الى لبنان».
وبالنسبة إلى رأيه في سلوك حكومة دياب حتى الآن، يعتبر زاسبيكين انّ هذه الحكومة هي الأنسب قياساً بالظروف الحالية، مشيراً الى انّ المرحلة كانت تتطلّب تشكيل حكومة تكنوقراط من الاختصاصيين، مع وجود دور محدود للأحزاب، «والواضح ان ليس لدى هذه الحكومة أي أهداف سياسية كبرى بل أهدافها اقتصادية ومالية، وعلى المجتمع الدولي ان يعترف بأنها حقاً حكومة تكنوقراط غير خاضعة لنفوذ «حزب الله» وايران كما يروّج البعض».