بات واضحاً أن الأزمة اللبنانية بكل تشعّباتها وفصولها لا تنحصر بالشقّ الداخلي، أكان على صعيد تأليف الحكومة أو سائر الملفات الخلافية وسواها، ويلاحظ بالدليل القاطع، أن المواقف الدولية اليومية الى حركة العواصم الكبرى، مؤشّر على هذا السلوك، ما يطرح التساؤلات حول ما إذا كان لبنان قد دخل في مسار التدويل بعدما أضحى جلياً الوصاية المالية الدولية، إذ لم يعد هنالك من مساعدات تمنحها الدول المانحة الى الدولة والحكومة والمؤسّسات الرسمية، كما كان يجري في السابق، بل ثمة إشراف من قبل هذه الدول عبر مؤسّسات أممية والصليب الأحمر الدولي والمجتمع المدني، بمعنى أن التواصل حاصل مع قوى ومؤسّسات، أشخاص يتمتّعون بالثقة والشفافية.
أما في جديد التحرّك الدولي، علم من مصادر موثوقة، أن روسيا هي في صدد إعادة تفعيل دورها على الساحة اللبنانية، بعدما قام نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بسلسلة اتصالات في الأيام القليلة الماضية مع بعض القوى السياسية المؤثّرة على الساحة اللبنانية، وأرفقها باتصال مطوّل مع الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، حيث أكد على دعمه، ونقل بأن موسكو تتابع الوضع اللبناني الدقيق من زاوية حرصها على عدم دخوله في أي حروب جديدة، لأن معلوماتها تؤكد على أن الساحة اللبنانية، وربطاً بتدهور أوضاعه الإقتصادية والحياتية، مقبل على فوضى عارمة قد تُنتِج حروباً، وبناء عليه، فإنها تحرص على تشكيل حكومة مهمة، وقد أوصلت رسائل الى بعض أصدقائها في لبنان، بأنها على الثوابت والمواقف نفسها التي التزمت بها مع الحريري، والتي ستمارسها وتشدّد عليها مع ميقاتي، ولذا تمنّت على مَن اتصل بهم بوغدانوف بأن يساعدوا الرئيس المكلّف، وهي التي تدرك من يعطّل ويعرقل المساعي الهادفة لتشكيل الحكومة العتيدة.
وتشيرالمصادر إلى أن وزير الخارجية سيرغي لافروف سيعود ليمارس عمله بعد إجازة فرضتها عليه ظروف خاصة، وسيكون الملف اللبناني من صلب أولويات دوره وعمله، وسيتابع ما كان قد بدأه مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، باعتبار أن فرنسا لديها مبادرة أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون، ولا يُخفى بأن هناك تباينات في النظرة الى الموقف اللبناني بين العاصمتين الفرنسية والروسية، ولكن موسكو تدعم هذه المبادرة والحلّ في لبنان، لا سيما وأنها لا مبادرة لديها أو أي صيغة تسعى الى تسويقها مع المسؤولين اللبنانيين، بل أن موقفها يتجلّى بالدعم والمساندة والمساعدة لتحييد لبنان عن الإنزلاق الى حروب عبثية،والهواجس الأكبر لديها من أن تمتد الى سوريا، لأن هناك تشابه بين البلدين لجهة الأزمات الإقتصادية والمعيشية، دون إغفال أن روسيا لاعب أساسي في سوريا، وهي لن تسمح بأي حروب وأزمات تطاول هذا البلد بعد معاناته مع حروب لم تنتهِ بعد.
ويبقى أن روسيا، بحسب المصادر، والتي لا ترغب أو تماشي المجتمع الدولي في مسألة العقوبات التي يتّخذها تجاه بعض الأطراف اللبنانية، فإنها تعمل على ممارسة مَونتها على بعض الدول الإقليمية التي لها نفوذها ودورها في لبنان، على أن تكون الفترة الممتدة ما بعد منتصف آب الجاري منطلقاً لمعاودة تكثيف اتصالاتها مع المسؤولين اللبنانيين، وصولاً إلى ترقّب زيارة بعض القيادات اللبنانية السياسية والحزبية الى زيارة موسكو، بعدما كان من المفترض أن يزوروها في أوقات سابقة، إلا أنها تأجلت بسبب جائحة كورونا. لذا، فالدور الروسي مغاير عما تقوم به باريس وواشنطن، ولكن قد يرتفع منسوب هذا الدور الروسي تماشياً مع ما تتطلّبه ظروف المرحلة الراهنة، ليس على المستوى الداخلي فحسب، بل أن موسكو معنية بالوضع السوري والفلسطيني وبدول المنطقة بشكل عام، حيث ثمة ترابط وتماهٍ حول مسائل سياسية واقتصادية بين كافة دول المنطقة، إضافة إلى عامل أساسي يغلّفه سؤال أساسي، هل تم بحث الوضع اللبناني في قمة الرئيسين الأميركي والروسي جو بايدن وفلاديمير بوتين؟