ملامح ونوايا لإنشاء قاعدة «ممانعة» بين القموعة وأكروم
تبدو السياسة الروسية متحفظة في توجهاتها الإقليمية، لكنّها تتلقى استدراج عروض دائم من الحرس الثوري الإيراني و»حزب الله» للمزيد من التورّط في الصراعات المندلعة في المنطقة، ومنها الانخراط في منافسة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، سواء في الشرق السوري أو على تخوم الحدود مع لبنان التي تشكل مساحة استراتيجية وحيوية بالنسبة لإيران ربطاً بسياساتها المذهبية، وبمشروعها في سوريا والمنطقة العربية.
ad
في هذا الإطار يدور الحديث في الدوائر الضيقة عن نقاش بين الحرس الثوري الإيراني و»حزب الله» من جهة، والقيادة العسكرية الروسية في حميميم من جهة ثانية، حول إمكانية إقامة قاعدة روسية مشتركة مع النظام السوري والحرس الثوري والحزب في سلسلة الجبال الشمالية، والممتدة تحديداً من القموعة إلى أكروم، لأنّها تتمتع بموقع استراتيجي حسّاس، خاصة مع وجود مساحات تابعة لمنطقة الهرمل لجهة القموعة ولجهة أكروم أيضاً، بحيث تكون مقابلة لقاعدة حامات الجوية التي يتعاون فيها الجيش اللبناني مع الجيش الأميركي.
مناورات وتمهيد ميداني
تتوقف مصادر متابعة عند ما اعتبرته مناورات ميدانية قام بها الجيش السوري خلال مشاركته الملتبسة في إطفاء الحرائق المفتعلة في جبال أكروم، وما رافقها من شقٍّ للطرقات بين الجانب السوري والجانب اللبناني من الحدود، وهي طرقات باتت اليوم مقفلة ومحصورة الاستخدام بمجموعات مجهولة خارج نطاق الدولة اللبنانية، وتشكل معابر إضافية غير معلنة، فضلاً عن خطورة الاشتباكات التي اندلعت مؤخراً بين بلدتي فنيدق وعكار العتيقة للسيطرة على منطقة القموعة الحيوية والمشرفة على الساحل وصولاً إلى اللاذقية وعلى البحر المتوسط حتى قبرص، بينما يمتدّ مداها الاستراتيجي حتى الجنوب، حيث يمتدّ الطموح لدى الحرس الثوري الإيراني لنصب قاعدة تتولى رصد حركة الطيران الإسرائيلي فوق لبنان.
لا يُعلم حتى الآن مدى استساغة موسكو لمثل هذا العرض الذي يعني فتح مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وهو يحتاج إلى موافقة الدولة اللبنانية، إلاّ إذا كان هناك من يراهن على تلاشي قبضتها وعجز جيشها عن مواجهة مخطط كهذا، وفي الواقع، لا يمكن استبعاد مثل الاحتمال.
أولويات روسية في مكان آخر
لكنّ روسيا تضع أولوياتها المعلنة في مكان آخر، يتعلّق بالتغطية الإعلامية الحاصلة للأحداث في سوريا، وتحديداً تلك التي يقدمها المرصد السوري لحقوق الإنسان، وقد سبق للمتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش أن قال لوكالة أنباء ريا نوفوستي الرسمية إنّ «هذه (الجماعة) يرأسها رامي عبد الرحمن وهو شخص لم يحصل على تدريب في مجال الصحافة أو القانون ولم يكمل حتى تعليمه الثانوي».
وتتهم دوائر القرار الروسية المملكة المتحدة بتحريض دول المنطقة على ما تسميه تناقضات إجتماعية وزعزعة استقرار دول الشرق الأوسط، وذلك من خلال ما تعتبره سياسة «القوة الناعمة» البريطانية التي تنطوي على ما تقول عنه بريطانيا «التأثير الإيجابي على القيادة والسكان في الخارج لتحقيق أهداف مفيدة للطرفين».
وترى دوائر القرار الروسي إنّه ما ينشره المرصد «ليس إلاّ نشاطاً للتحريض على زعزعة استقرار الوضع في البلدان الأخرى من خلال أيادٍ لا تخضع ظاهرياً لسيطرة لندن، لكنها تحقق بصورة غير مباشرة الخدمات البريطانية الخاصة».
ad
تقول هذه الدوائر إنّ من بين هذه «الأدوات» المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره في كوفنتري – المملكة المتحدة، الذي تستخدمه لندن «لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية»، ولبناء نفوذها من خلال ما تعتبره «إثارة التوتر الاجتماعي داخل سوريا وبعض دول الشرق الأوسط الأخرى».
المصادر الروسية تتهم المرصد السوري بأنّه «حلقة ضمن سلسلة الخداع العالمي» المصمَّم لـ»إخفاء معلومات الأحداث الجارية الحقيقية عن المجتمع الدولي»، ضمن دول أخرى في الشرق الأوسط بخلاف سوريا، والتي أصبحت في نظر دوائر القرار الروسي «ضحية عدوان غربي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى».
وتفيد المعلومات المستقاة من الجانب الروسي بأنّ الصحافيين المتعاونين مع المرصد هم «متخصصون بإعداد المواد الإعلامية المشوهة عن الجرائم في سوريا، وضحايا المدنيين جراء الضربات الجوية الروسية»، كما تشير الأوساط الروسية إلى أن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان وأجهزة الأمم المتحدة تحدث عن هذه الهيئة الهيكل باسم «مركز المراقبة السورية لحقوق الإنسان»، كما يستخدم هذه التسمية الخبراء العسكريون ضمن تقاريرهم.
وتستشهد دوائر القرار الروسي بمقابلة لمدير المرصد مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في العام 2013، قال فيها عبد الرحمن، إنّه «يتلقى أموالًا مقابل أنشطته الإعلامية من متجرين للملابس، وكذلك من إعانات صغيرة» في دولة أوروبية واحدة… وهو ما تعتبره المصادر الروسية «أمر ليس من الصعب تخمينه نظرًا لحقيقة أن عبد الرحمن يعيش في ضواحي لندن».
وتذكّر المصادر أن عبد الرحمن هو اسم وهمي لشخص يدعى أسامة علي سليمان، وتعتبره «رجل أعمال فاشل تحوّل إلى ضفّة المعارضة»، لم يزر سوريا منذ أكثر من 21 عاماً، لكنه «يتلقى معلومات من 200 مصدر مجهول من الجمهور وهم من بين النشطاء والمسلحين». في المقابل، ينفي عبد الرحمن جميع الاتهامات بما في ذلك الشائعات عن تمويله. وقال إنّ «النظام السوري يقول إنني أحصل على أموال من جهاز المخابرات البريطاني (ام.اي.6) ويقول آخرون إنني أحصل عليها من الخليج. أنا لا أحصل على تمويل من أي أحد في العالم».
ومضى يقول:«لا أريد الحصول على أموال من أي بلد… لا أحد يمنح أموالاً مقابل لا شيء. أريد أن أكون مستقلاً. عندما تكون مستقلا تستطيع أن تقول ما تريد».
اللاّفت للانتباه أنّ عبد الرحمن أو أسامة علي سليمان، يلقى حملات تشكيك واسعة من المعارضة السورية أيضاً، وهو متّهم في نظر أغلب شخصياتها بالكثير من الاتهامات التي تطعن بمصداقيته، لكنّه يدافع عن نفسه بالقول:»عندما تكون عرضة للهجوم من جانب جهات مختلفة كثيرة فهذا يعني أنك تسير على الطريق الصحيح… عندما تقول الحقيقة يكون لك الكثير من الاعداء».
ad
ما بين حملات روسيا على المرصد الروسي لحقوق الإنسان وبين مقارباتها المتداخلة للوضع في درعا، يبقى الملف اللبناني حاضراً في دائرة الاهتمام الروسية، وهو عاد ليتحرّك مع زيارة النائب السابق وليد جنبلاط القريبة إلى روسيا، لكن يبقى الأهم: هل ستنزلق إلى التدخل العسكري وتستجيب للمغريات المقدمة من أطراف الممانعة، وهل هي بحاجة فعلاً إلى هذا التدخل، أياً كان شكله، مع ما يعنيه من تداعيات محلية وإقليمية ودولية.
هناك من يعتقد أنّ التجربة السورية أعطت الدبلوماسية الروسية مجالاً آخر مختلفاً عن المسار العسكري، يتمثل بالانفتاح على شعوب المنطقة، انطلاقاً من السعي إلى فهمها والحوار والتواصل معها بعيداً عن وطأة التدخل العسكري، لكنّ هذا الجانب ما زال يخطو خطواته بشيء من التمهّل بالنظر ما أنتجه الواقع السوري من تداعيات تحتاج إلى الكثير من الجهود وفتح آفاق العمل الإعلامي والسياسي لتبديد الانطباعات التي نشأت عن حقيقة السياسات الروسية في المنطقة العربية، ولإفادة المحاورين الروس مما سيسمعونه في الجانب الآخر.