توالت التساؤلات حول التسوية التي أدّت الى تشكيل الحكومة من قبل الفرنسيين والإيرانيين، وما إذا كانت تسوية ثنائية أو أنها تحظى بإجماع دولي، مع تيقّن المتابعين بأن الولايات المتحدة الأميركية غطّتها ولم تمانع في عملية تشكيل الحكومة العتيدة، على الرغم من شروطها التي باتت معروفة تجاه الوضع في لبنان.
وفي هذا الإطار، سُلّطت الأضواء على الدور الروسي الذي شهد في الآونة الأخيرة تراجعاً كبيراً بعدما سجّل دينامية وحضوراً فاعلاً حول الملف اللبناني، مما طرح تساؤلات ما إذا كان هذا الدور قد اختفى، أم أنه ترك الخيار لباريس، وهنا، تلفت مصادر متابعة لهذا المسار، وعلى صلة بما يجري على خط موسكو ـ بيروت، بأن الروس تواصلوا وتشاوروا مع الفرنسيين وكانوا داعمين لجهودهم للتوصل الى حل في لبنان، وتحديداً تأليف الحكومة لاعتبارهم يملكون كل المعلومات حيال الوضع اللبناني بكل تشعّباته وتعقيداته، ولهذه الغاية يقرّ الروس، وفق الذين التقوا كبار المسؤولين في موسكو، بأنهم كانوا مرتاحين لما آلت إليه هذه التسوية لناحية تشكيل الحكومة، في ظل القلق والمخاوف التي لطالما أعربوا عنها من إمكانية حدوث انفجار في لبنان في ظل ظروفه الإقتصادية المستعصية، ولكن لم يكن لهم الدور البارز أو الأساسي بما جرى من تسوية نظراً لجملة ظروف محيطة بهم، وأبرزها أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد إنتخابات مجلس الدوما، وتعتبر من أبرز الإستحقاقات الإنتخابية في روسيا.
وبناء عليه، ثمة معلومات بأن بعض المرجعيات السياسية، ألغت زياراتها التي كانت مقرّرة الى موسكو، نظراً لانشغال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بهذه الإنتخابات، بينما هناك وخلال الأيام المقبلة زيارتين متوقّعتين الى روسيا، لكل من رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط يرافقه بعض نواب «اللقاء» والحزب التقدمي الإشتراكي، إضافة الى زيارة أخرى للنائب طوني فرنجية، وهاتين الزيارتين، تأتيان في سياق العلاقة الوثيقة مع موسكو لاستعراض الوضع اللبناني من كافة جوانبه والوضع الإقليمي، لا سيما على ضوء التغيّرات والتحوّلات في المنطقة، وبطبيعة الحال، ومن خلال المعلومات المتأتية في هذا الصدد، فإن الإستحقاقات الدستورية الداهمة ستطرح في الزيارتين المذكورتين وصولاً إلى الإنهيار الإقتصادي الذي يمرّ به البلد وتداعياته على مجمل الأوضاع فيه.
من هذا المنطلق، فإن موسكو، وفي هذه المرحلة بالذات، سيتمحور دورها المرتبط بالملف اللبناني على حركة وديبلوماسية صداقات نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وبالتالي، لن يكون لها أي مشاريع سياسية أو مبادرات، بل سيقتصر دورها في إطار الدعم فقط، إذ هناك دراسة لشركة روسية تتعلّق بإعادة إعمار مرفأ بيروت، بحيث أعربت موسكو أيضاً عن استعدادها للقيام بدور كبير حول عملية الإعمار، ولكن هذه المسألة لها اعتبارات سياسية لبنانية من خلال العروض الفرنسية والأميركية واليابانية المقدّمة للجهات المعنية في لبنان، في وقت أن التحقيقات في جريمة المرفأ لا زالت سارية المفعول، وتشهد عملية «شدّ حبال» و»كباش» سياسي وقضائي وتصفية حسابات، بمعنى أن هذه القضية لها تأثيرات على مسار إعادة المرفأ في الوقت الراهن.
إضافة إلى ذلك، علم أن روسيا، وفي خضم ما يمرّ به لبنان من انهيارات إقتصادية، ولا سيما في القطاعين الطبي والتربوي سيكون لها مساهمة في دعم صناعة لقاح كورونا «سبوتنيك» في بعض المعامل اللبنانية، الى تقديم منح دراسية في جامعاتها، وتسهيلات للطلاب اللبنانيين الذين يدرسون في الجامعات الروسية.
ويبقى أخيراً، أن الإستحقاقات الداخلية الروسية ستأخذ حيّزاً أساسياً لكبار المسؤولين في الكرملين والخارجية الروسية، بانتظار تبلور الصورة على ضوء هذا الإستحقاق، وبعدها سيكون هناك استراتيجية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، ومن الطبيعي أن يكون من ضمنها لبنان وسوريا، وحيث أن البعض يتساءل ما إذا كان الملف اللبناني حاضراً خلال لقاء الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد، وذلك قد تظهر معالمه من خلال الوقائع السياسية والميدانية في سوريا، وربطاً بإعادة فتح الحدود ما بين بيروت ودمشق.