يظهر بوضوح، ومن خلال المتابعة السياسية والديبلوماسية للمعنيين بالملف اللبناني، أن معظم الدول الخارجية مبتعدة في هذه المرحلة عن الشأن الداخلي، وليس ثمة اهتمامات أو مبادرات لتحريك هذا الجمود والخروج من المعضلات والأزمات المحيطة بالساحة المحلية، لا سيما من قبل باريس التي ضاقت، وفق المقرّبين من دوائر الإيليزيه، ذرعاً من المسؤولين اللبنانيين الذين لم يلتزموا بالوعود التي كانوا أطلقوها في قصر الصنوبر، خصوصاً تجاه المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إضافة إلى كل حركة الموفدين، الذين تأكدواعدم التزام القيادات اللبنانية بالإصلاح، وبكل ما سبق وتم طرحه عليهم.
وفي السياق، فإن الإستياء الفرنسي ينسحب بدوره على الموقف الأميركي، بحيث تغيب السفيرة الأميركية دوروثي شيا عن زيارات المسؤولين الللبنانيين، بما في ذلك القيادات السياسية والحزبية، وبات دور الولايات المتحدة الأميركية في هذه المرحلة ينحصر بدعم الجيش اللبناني، والذي بات من الثوابت والمسلّمات بالنسبة للإدارة الأميركية، إضافة إلى دعم بعض المؤسّسات الإنسانية، ولكن في الملف السياسي فإنها فوّضت باريس، والرئيس إيمانويل ماكرون تحديداً، لمتابعة الوضع في لبنان، وهي الداعمة لخطوات ماكرون الأخيرة على الرغم من بعض التباينات حيال بعض المسائل الداخلية.
أما على خط روسيا، ينقل أحد المتابعين للملف الروسي والمقرّبين من المسؤولين الروس، بأن موسكو، وفي هذه الظروف بالذات، متفرّغة لما يجري في أوكرانيا، إضافة إلى توسيع حلف “الناتو” وأزمة كازاخستان، وعلى هذه الخلفية، كان من المفترض بأن تزور بعض القيادات اللبنانية العاصمة الروسية، ولكن لدواع انشغال مسؤوليها الروس بهذه التطورات الأخيرة، من أوكرانيا إلى كازاخستان، فذلك ما دفعها إلى الإنكفاء عن أي دور يخصّ لبنان، وقد أكد أحد المسؤولين الروس لصديقهاللبناني، بأن روسيا تدعم استقرار لبنان وسوريا باعتبارهما دولتين ذات حدود مشتركة، وهي حريصة على هذا الإستقرار، وتحديداً الإقتصادي، ولذلك لها دور في سوريا من أجل متابعة الوضع في هذا البلد، ولكن وطالما الصواريخ الأميركية، كما يقول المسؤول الروسي، باتت على الحدود الروسية، فهذا ما دفع الكرملين إلى إعلان الإستنفار ومواكبة هذه التطوّرات، وعلى هذه الخلفية ليس في الأفق أي دور روسي أو حراك تجاه لبنان، ما يؤكد أن لبنان بات في هذه المرحلة، وبحكم التطورات الروسية، وصولاً إلى الإنتخابات الرئاسية الفرنسية والتي ستكون الشغل الشاغل لماكرون، يعيش في مرحلة الوقت الضائع، إلى حين إجراء الإستحقاقات الدستورية الداهمة، وفي مقدّمها الإنتخابات النيابية.
ولذلك، وعلى الرغم من كل ما يقال بأن هناك ضغوطات دولية وعقوبات في حال لم تحصل الإنتخابات النيابية، يبقى مجرد شعارات، باعتبار أن التجارب السابقة أثبتت بأن لبنان أضحى خارج الإهتمامات الدولية، ولم يعد أولوية إلا في حال كان هناك خطوات لتطيير الإنتخابات، عندها ربما تكون هناك تدخلات فرنسية، على اعتبار أن أحد السفراء الفرنسيين السابقين في لبنان أكد لأحد المسؤولين اللبنانيين، بأن باريس تلقّت وعداً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأنه، وعلى الرغم من كل ما يحيط بالحكومة من عثرات، سيبقى على رأس هذه الحكومة من أجل تأمين حصول هذا الإستحقاق النيابي مهما كانت الظروف، وبالتالي يضيف، بأن باريس بعثت برسائل لمعظم الزعامات والقيادات اللبنانية تحذّرهم من مغبة تطييرها، والدلالة على ذلك أن بعض القوى السياسية الرئيسية بدأت تحرّك ماكيناتها وأعلنت حال الإستنفار الإنتخابي.
ويبقى وعَود على بدء، أن مسألة إجراء الإنتخابات منفصلة عن أي تحرّك أو مباردة أودعم دولي للبنان، قبل الإلتزام بما تم إبلاغه للمسؤولين اللبنانيين إن على صعيد الإصلاح أو إجراء الإستحقاقات الدستورية في مواعيدها.