بو نصّار وأبو زيد في مُهمّة صعبة لضبط العلاقة مع موسكو… وبو حبيب في الواجهة!!
كل فترة يعود مشهد التناحر والخلاف بين اركان السلطة، حول اغلبية المسائل والملفات، خصوصاً في ما يتعلق بموقف لبنان تجاه اي قضية خارجية، وآخرها الازمة التي فجرّها بيان وزارة الخارجية، بعد ادانته روسيا لشنّها الحرب على اوكرانيا، فأتت الانقسامات في المواقف بين رئيس الجمهورية ميشال عون و”التيار الوطني الحر” ممثلاً برئيسه جبران باسيل ومحور الممانعة من جهة، وبين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب، المتهمين من قبل العهد وحلفائه بترتيب البيان وفق ما يريدان من دون إستشارة احد، فيما المطلوب إتباع سياسة الحياد والنأي بالنفس، ولذا سارع رئيس ” التيار” النائب باسيل الى إجراء اتصال بالسفير الروسي في لبنان ألكسندر روداكوف، لإبلاغه بأنّ بيان وزارة الخارجية لا يعبّر عن رأي رئيس الجمهورية و”التيار”، مؤكداً تمسّكه بسياسة النأي بالنفس، مع إشارته الى غياب الاجماع اللبناني حول البيان.
وتزامن ذلك، مع طلب رئيس الجمهورية من مستشاره للشؤون الروسية النائب السابق أمل أبو زيد، بضرورة زيارة موسكو الأسبوع المقبل، للقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وشرح موقف لبنان الرسمي وضبط العلاقة الديبلوماسية مع روسيا، وإعادتها الى سابق عهدها، كما يعمل السفير اللبناني في موسكو شوقي بو نصار على ” تجميل” الموقف، والتأكيد على تمسّك لبنان بأفضل العلاقات مع روسيا، خصوصاً بعد رد موسكو على بيان الخارجية، عبر السفارة الروسية في بيروت، معتبرة فيه بأنّ ” لبنان خالف سياسة النأي بالنفس، وتموضع الى جانب طرف ضدّ طرف آخر” ، وأبدت وفق الرد ” دهشتها لهذه المخالفة”، مع تذكيرها بأنّ ” روسيا لم تُوفّر جهداً في المساهمة بنهوض لبنان واستقراره”.
الى ذلك تشير مصادر سياسية مواكبة لما جرى، الى انه لا يمكن ان يقوم بوحبيب بكتابة البيان من دون إطلاع الرئيس ميشال عون عليه، مما يؤكد وجود قطبة مخفية في هذه المسألة، وسألت:”هل يكتفي بو حبيب بإستشارة رئيس الحكومة فقط” ؟ ولفتت المصادر الى رفض الجالية اللبنانية في روسيا وإستغرابها لبيان الخارجية اللبنانية “الجاهل للحقيقة” وللأوضاع بين روسيا وأوكرانيا، ووصفت الموقف بالمنحاز الى أميركا، من دون ان يأخذ بعين الاعتبار مصالح اللبنانيين في روسيا، لا بل أضّر بالعلاقات اللبنانية – الروسية.
من ناحية اخرى، أبدت المصادر المذكورة إستغرابها ايضاً، من وضع الوزير بو حبيب نفسه في اطار المشكلة ككبش محرقة، اذ قرّر أن يتحمّل بمفرده ردود الفعل السلبية على ما ورد في البيان بقوله: “أنا لابس درع قوّصوا عليي وحدي بموضوع البيان”، سائلة لماذا يقوم بذلك؟ وكأنّ في الامر سرّ خفي، لان بموقفه هذا يسحب المسؤولية عن عاتق احدهم، الذي وافق على البيان ومن ثم عاد وتنصّل منه، بعد ان قامت الدنيا ولم تقعد، خصوصاً بعدما تبلّغ السفير شوقي بو نصار من نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، إستياء بلاده الشديد من محتوى البيان، ورأت المصادر بأنّ موقف محور الممانعة ساهم كثيراً في تخبّط اهل السلطة في ما بينهم، خصوصاً بعد دخول وزير العمل مصطفى بيرم والنائبين حسن فضل الله وإبراهيم الموسوي على الخط، وإعتبارهم بأنّ لبنان خرج عن حياده في هذه المسألة، وسجّل خرقاً لسياسة النأي بالنفس التي تتبعها الحكومة، مذكّرة بتصدّع العلاقات اللبنانية – الخليجية، ووصولها الى طريق مسدود على اثر مواقف المحور المذكور، من دون ان يتوصل احد لغاية اليوم بإعادة تلك العلاقات كما كانت.
ووصفت المصادر عينها ما يجري بالاستنسابية ضمن سياسة النأي بالنفس والحياد، والتي بدأت مع توّلي باسيل وزارة الخارجية، حيث كان يتخذ مواقف في قضايا عربية ودولية لا تتماشى مع سياسية لبنان الحيادية،واعتبرت انّ ما قاله البطريرك الماروني بشارة الراعي منذ اكثر من سنة، وتكراره له في كل عظاته ” بأنه لو كان الحياد قائماً في لبنان، ما كنا لنشهد أي أزمة دستورية، بما فيها أزمة تأليف الحكومة التي تمتد لأشهر كل فترة “، مع تشديده الدائم على عدم الانحياز ورفضه تعدّد الولاءات، لانّ اي مقاربة جديدة لوجودنا اللبناني يجب أن تنطلق من اعتماد الحياد، لنحافظ على وجودنا الموحّد والحر والمستقل، مع ضرورة بقاء لبنان بعيداً دائماً عن الصراعات الإقليمية والدولية، كمدخل لإستعادة استقراره.