Site icon IMLebanon

موسكو تستعد لـ”مغادرة حقول غاز شرق المتوسط”

 

 

لم يكن مُستبعداً أن تطرأ بعض المفاجآت في ملف غاز شرق المتوسط نتيجة الغليان الذي قاد إليه الغزو الروسي لأوكرانيا. فقبل أن يستكمل الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين مهمته الى النهاية التي ارادها، وانشغاله بمرحلة الضمانات المتبادلة لحماية أي اتفاق، برز ما لم يكن في الحسبان أن تبدأ موسكو تحضيراتها لتجميد أنشطتها في المنطقة استباقاً لأي قرار اميركي. وعليه، ما الدافع الى هذا القرار؟ وهل هو من نتائج التفاهمات الجديدة؟

في انتظار أن يعود هوكشتاين الى بيروت تبدو المراجع المعنية منشغلة بكثير من السيناريوهات الغامضة المتوقعة، والتي لم تعد محصورة بما يعود به من تل أبيب الى بيروت في شأن طرح لبنان الأخير تمهيداً لتحديد شكل ومضمون الخطوات المقبلة التي عليه اتخاذها. فالمهل التي تحدث عنها الجميع عند وضع الإطار الجديد للمفاوضات باتت ضاغطة لمجرد التفاهم على ضرورة التوصل الى ما يسمح بإطلاق قطار الاستخراج في نهاية ايلول المقبل من الحقول الاسرائيلية والبدء بعمليات الاستكشاف في الحقول اللبنانية المقابلة.

 

ولذلك، فإن المرحلة الفاصلة عن الخطوات المقبلة لم تعد تسمح بكثير من المماطلة وقد تقلّص هامش المناورة الى الحدود القصوى. وقبل الحديث الاميركي الجدي عن المواقف اللبنانية والاسرائيلية المطلوبة بصيغتها النهائية وبالجدية المطلقة لها ما يبررها. فقد سبقت التقارير الدولية التي تحدثت عن الحاجة الى الطاقة عقب ترددات الغزو الروسي لأوكرانيا بالكميات التي لم يكن يتوقعها احد كل التحذيرات الاميركية الاخيرة التي تبلغها المعنيون خلال زيارة الرئيس الاميركي جوزف بايدن لإسرائيل والمملكة العربية السعودية وما بينهما وفي خلال مجموعة القمم الثنائية وتلك الموسعة التي عقدها.

 

وفي الوقت الذي بدأت مفاعيل زيارة بايدن تؤتي ثمارها بتراجع أسعار النفط والغاز العالمية نتيجة زيادة الانتاج التي بوشرت فور مغادرته المنطقة، جاءت التحذيرات الدولية لتكمل ما بدأه الرجل. وهو ما دفع بالمراقبين الى التوقف عند مضمون التقرير الصادر امس عن «الوكالة الدولية للطاقة» الذي لفت الى «أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع أكثر مما كان متوقعا هذا العام، متأثرا بموجات الحر، وارتفاع أسعار الغاز».

 

وقالت الوكالة في تقريرها الشهري الصادر عن مقرها الرئيس في باريس «إن أسعار النفط تراجعت بمقدار 30 دولارا للبرميل بعدما بلغت الذروة في حزيران، بسبب زيادة الإمدادات وتصاعد المخاوف إزاء الآفاق الاقتصادية المتدهورة». ولا يخفى على احد ما حمله التقرير من إنذار يحذّر من «ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء إلى مستويات قياسية جديدة – نتيجة احداث اوكرانيا وما استَجرته العقوبات على موسكو وما أقدمت عليه من تقنين لمستورداتها بنفسها – دفع بعض الدول إلى التحول إلى استخدام النفط بدلاً من الغاز. وما زاد في الطين بلة، قال التقرير، انه «بات امراً شاملاً تعدّى دول أوروبا والشرق الأوسط الى كل أنحاء آسيا».

 

وعليه، وعند التوسع في قراءة ما اشار اليه التقرير وما اوحى به من معطيات، فهو يتلاقى في مضمونه وتوقيته مع سَعي الاميركيين الى توفير مصادر الطاقة البديلة ولا سيما من الغاز الروسي المحجوب والمعاقب، ما يثبت بطريقة لا تقبل الجدل اهمية إصرار الاميركي على البت بعملية الترسيم واستخراج الغاز لتوفيره الى مُحتاجيه في أوروبا وأكثر من دولة حليفة له. فقد سبق للوسيط الاميركي ان أبلغ في آخر زيارة له الى الجانبين اللبناني والاسرائيلي والى من يتعاطى بهذه الوساطة ويهتم لها، بضرورة تجاوز المطبات الصغيرة أمام المفاوضات لتنتهي الى ما تمنّاه الجميع بلا تردد عند استئناف مهمته.

 

ومعنى ذلك، تقول المصادر، انّ الجانب الاميركي يرغب في تجاوز الترددات التي تركتها أحداث غزة من دون اي تعديل في الموقف الاسرائيلي ان صحّ انه بات متردداً في موافقته وتأجيل مواعيد استخراج غازه غير مُبال بما ستتركه الخطوة من تأثيرات سلبية على برامج الدعم التي بدأتها الحكومات الاوروبية بتقليص مصاريف الطاقة كما فعلت ألمانيا وفرنسا ودول الجوار الأوكراني التي تستعد لبرامج تقنين شتوية غير مسبوقة. كما بالنسبة الى الإجراءات التي اتخذتها إيطاليا في المؤسسات الرسمية وما فرضته من عقوبات إن أنيرت مؤسسة خارج دوام العمل أو استخدام المكيّف في عزّ موجة الحر تحت معدل درجة 26 تخفيفاً لمصروفه.

 

وكذلك لا تخفي المراجع المعنية حماسة هوكشتاين والفريق المعاون لضرورة تجاوز ترددات ما تسبّبت به حرب غزة بأيامها الثلاثة، وما تركته قبلها المسيّرات الثلاث لـ»حزب الله» ورواية الصاروخ الموجّه الى منصة كاريش لإنهاء مفاعيلها المقدرة وعدم السماح بتكرار التجربة او الاقدام على أخرى سيّان. ولذلك، ارفقت التمنيات الاميركية بالتمني على مسؤولي الطرفين بعدم الأخذ بأي من السيناريوهات المتداولة من مصادر غير رسمية سواء كانت اسرائيلية او اميركية بالنسبة الى اللبنانيين، كما عدم التوقف عند اي موقف لا يتخذه الجانب اللبناني المفاوض بعدما تبرّأت الحكومة من تصرفات «حزب الله» رسمياً ومعها تهديداته التي وضعت من خارج السياق الرسمي للمفاوضات من دون تجاهل إمكان استخدام لبنان هذه التهديدات او الافادة منها لتحسين الموقف اللبناني المفاوض على المستوى المعنوي كما السياسي.

 

وعليه، فإنّ هذه المواقف لم تحجب الجديد الطارىء على ساحة المفاوضات، وهي ما تسرّب من بدء التحضيرات الجدية لخروج المؤسسات الروسية من سوق الغاز والنفط القائم او الموعود في شرق المتوسط وفي أكثر من بقعة في العالم خارج ما هو قائم من مشاريع روسية. فشركة نوافاتك الروسية ومعها بعض المؤسسات الشبيهة العاملة في قطاع الطاقة بدأت تحضيراتها للانسحاب من بعض الأسواق لِتعذّر استمرارها القيام بأعمالها في ظل المقاطعة الاميركية والاوروبية وعدم القدرة على التعامل بالدولار الاميركي، وهي خطوات وان جاءت منفصلة عن ملف الترسيم او البحث عن الغاز في لبنان من قبل كونسورسيوم ايطالي ـ فرنسي وروسي، فقد تمّ النظر اليها قبل الاعلان رسمياً عن بدئها من باب استباق اي خطوة اميركية لفرض عقوبات على اي شركات تتعاطى بقطاع النفط والغاز الروسي كما فعلت مع الايرانيين قبل ايام قليلة.

 

فهي وعند معاقبتها للشركات التي تتعاطى بالنفط الايراني والتي تقدّم الدعم لمؤسساته بأي شكل من الأشكال لم توفّر شركات صديقة لها في الإمارات العربية المتحدة وماليزيا، فساوَتها في عقوباتها بتلك الصينية والإيرانية ومن هويات مختلفة، وهو ما قد يتجدّد اذا حاول البعض منها التعاطي بالهبة الايرانية للبنان ان تمّت الموافقة عليها، وتعبّر عن مدى الجدية بما ينتظر القطاع من مواجهات قاسية وقدرة اي دولة على الصمود تجاهها.

 

وبناء على ما تقدّم، ينظر المراقبون الى أن ابتعاد الشركات الروسية عن قطاع الغاز في المتوسط وتعزيز العقوبات على الايرانية والمتعاطين معها يشير بكثير من الملاحظات التي تثبت ان الادارة الاميركية للملف تجري بتشدّد كبير ويفترض أن تثبت قدرتها على أن تؤدي دور الوسيط المسهل، فتفرج عن الشروط التي تكبّل الاستكشاف في لبنان وتعطي اسرائيل حق الاستثمار من آبار المنطقة من دون ان تسجّل على نفسها نُصرة فريق على آخر أو تقديم اي نموذج يشكّك بحيادها المسهّل للتفاهمات في المنطقة، لتستعيد بوادر الانتعاش من باب الثروة النفطية التي اعتقد البعض انها باتت بلا قيمة فعلية قبل غزو روسيا لأوكرانيا، فأعادت لهذا القطاع أهميته في ركائز اقتصادات الدول وعافيتها المالية.