Site icon IMLebanon

وساطة موسكو مع طهران “رفع عتب” ولبنان ليس أولويتها

 

يبدو أن موقف موسكو يزداد حذراً تجاه الملف اللبناني، خصوصاً أنه لم يسجل أي زيارة لمسؤول روسي كبير بعد انفجار 4 آب المدمر.

 

تنظر موسكو إلى الملف اللبناني من زاوية مختلفة عن الأميركيين والفرنسيين والأوروبيين، ومنذ اللحظة الأولى لطرح مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون لحلّ الأزمة اللبنانية لم يكن الروسي يتوقّع نجاح المبادرة لأنه يعتبر أن الحسم يأتي نتيجة صفقة أميركية – روسية بينما دور باريس تراجع عالمياً.

 

واللافت أيضاً أنه في عزّ الصراع بين باريس وأوروبا مجتمعةً مع تركيا ومحاولة تمدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على شواطئ المتوسط من بيروت وصولاً إلى ليبيا وتهديد نفوذ “القارة العجوز”، يبدو أن موسكو وبحكم المصالح المشتركة أقرب إلى التركي منها إلى الأوروبي، ولا تزال تراعي نفوذ إيران، ما يفسّر بروز تلاقي مصالح وليس حلفاً بين موسكو وطهران وأنقرة في وجه باريس وأوروبا.

 

وفي سياق متابعة الملف اللبناني، فإنّ كل النصائح للمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف لزيارة لبنان يجاوب عليها بأن مثل هكذا زيارة واردة لكن من دون أن يُحدّد موعداً لذلك، ويربطها بالظروف القائمة.

 

وما ينطبق على بوغدانوف يسري أيضاً على وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي زار سوريا الأسبوع الماضي من دون أن يقصد لبنان، وعند الإستفسار من بوغدانوف عن عدم زيارة لافروف بيروت أكد أنه عندما سيقوم لافروف بمثل هكذا زيارة، سيقصد لبنان لوحده ولا يمرّ إلى بيروت عبر دمشق، وعلل بوغدانوف تأخر زيارة لبنان بأن وقت لافروف ضاغط، علماً أنه زار قبرص بعد سوريا، ما يفسّر أن الملف اللبناني ليس من ضمن أولويات موسكو حالياً.

 

وبعد تناقل معلومات عن أن روسيا تتواصل مع إيران لحلّ الأزمة الحكومية، تؤكد مصادر دبلوماسية في العاصمة الروسية لـ”نداء الوطن” أن الروس حاولوا مع الإيرانيين، ولكن محاولاتهم تأتي في سياق “رفع العتب من دون ممارسة ضغوط جدية على طهران لتسهيل ولادة الحكومة اللبنانية ومنع “حزب الله” من العرقلة، خصوصاً أن كل التركيز الروسي ينصب على ملفي سوريا وليبيا”.

 

وتشير المصادر إلى أن “موسكو لا تعرقل المبادرة الفرنسية وإن كانت تؤكّد أنها قد لا تؤتي ثمارها المرجوة خصوصاً أن بوغدانوف كان قد قال منذ إنطلاقتها إننا ندعم التحرك الفرنسي لكننا نشك في أنه قد يوصل إلى نتيجة مثلما يحاول ماكرون الترويج”.

 

ويؤكد المسؤولون الروس أن المشكلة ليست في صدق النوايا الفرنسية بل بالعرقلة الأميركية المتعمدة، ويعتبرون أن الحلول الجذرية في المنطقة، ومن ضمنها الأزمة اللبنانية، تحتاج إلى توافق أميركي – روسي، لأن لا فرنسا ولا بريطانيا ولا الصين ولا أي دولة أخرى تملك مفتاح الحلول في ظل وجود واشنطن وموسكو.

 

وفي السياق، فان خطوة تعزيز تواجد القوات الأميركية في شرق الفرات تضعها موسكو في خانة ورقة ضغط أميركية عليها بعدما عادت الساحة الشرق – أوسطية حلبة صراع بين موسكو وواشنطن مثلما كانت أيام الحرب الباردة.

 

وتتداخل ملفات المنطقة بعضها ببعض، ولا يمكن فصل الملف اللبناني عن الليبي، وفي السياق، فان موسكو لا تؤيد التوغل التركي في ليبيا لكن لديها مصالح كبرى تتقاطع مع أنقرة في هذه الفترة خصوصاً في سوريا، ولذلك لا تريد في هذه المرحلة الدخول في صراع معها، وإن كانت تمارس ضغوطا كبيرة على الدور التركي في ليبيا، وهذه الضغوط ليست سياسية فقط بل أمنية وعسكرية وتتمثل بإرسال الروس أعضاء في شركات أمنية الى ليبيا، لذلك فان الوضع هناك معقّد جداً.

 

واللافت أيضاً في سياسة التهدئة بين أنقرة وموسكو، أن روسيا التي تعتبر نفسها راعية الأرثوذكس في العالم، وتتم مناداة البطريرك كيريل بقداسة البطريرك أسوةً بقداسة بابا الكاثوليك، لم تحرك ساكناً عندما حوّل أردوغان كنيسة أيا صوفيا إلى مسجد ولم ترد الدخول في صراع مع أنقرة.

 

إذاً، كلما طال حلّ الملف اللبناني كلما ازداد تعقيداً وتداخلت فيه عوامل إقليمية ودولية، لذلك فان القوى التي تعرقل تتحمل مسؤولية جرّ المزيد من التدخلات الدولية ودفع الوضع نحو الإنهيار التام، وإدخال البلد الصغير المتهاوي في لعبة دول الأمم المضرة، وربما عبارة رئيس الجمهورية ميشال عون أصدق تعبير إلى أين يتجه الوضع، حيث قال “إننا نتجه إلى جهنم”، في حال عدم تأليف حكومة سريعاً وفشل المبادرة الفرنسية.