IMLebanon

موسكو تتبنّى منطق «حزب الله»… فهل تُخالف واشنطن؟

في سرعة قياسية تمكّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حشد المؤسسات الدستورية ومواطنيه وكنيسته خلف العملية العسكرية التي يقودها في سوريا مختصراً جهوداً كثيرة يمكن أن تقوم بها أيّ إدارة لتسويق مثل هذه العملية الكبيرة. والملاحَظ أنّ الروس تبنّوا سياسياً وشعبياً وإعلامياً منطق «حزب الله» في تبريرها. فهل يخالفون الأميركيّين في شكل عملياتهم العسكرية؟

في غمرة الإهتمامات بملف النفايات ومصير الحكومة والجدل البيزنطي حول أولويّة انتخاب رئيس للجمهورية والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة، تقلّص إهتمامُ البعض في سبر أغوار العملية الروسية في سوريا وما الذي قاد اليها وكيف برَّرتها ومرَّرتها في أجواء باردة وهادئة بعيداً من الصخب الإعلامي والديبلوماسي والعسكري.

تحت جنح الظلام وعلى وقع سيل من التقارير السرّية التي تحدثت عن اقتراب الجيش السوري النظامي من الإنهيار، نشر الروس في سوريا حتى اليوم أكثر من 6000 ضابط وعسكري يقولون إنّ 15 في المئة منهم فقط إداريون ومتخصّصون في الشؤون اللوجستية والعسكرية والتموين، وآخرون بنسبة مماثلة في خدمة المنشآت العسكرية المتخصصة والتنصت والمراقبة والحماية المباشرة وبناء الجديد منها.

على هذه الخلفيات، يعترف تقرير ديبلوماسي غربي أنّ بوتين حقّق أولَ إنجاز عندما أنهى ترتيباته العسكرية واللوجستية قبل أن تُناقش في أيّ مؤسسة روسية غير عسكرية. ولم يحتَج لدعمها وتسويقها سوى دعوة وجّهها في اللحظات الأخيرة التي سبقت ساعة الصفر ليل 30 ايلول الماضي الى البرلمان الروسي «الدوما» ليُكرّسها بإذن يسمح له باستخدام قوات بلاده في مناطق خارجة عن السيادة الروسية.

وهكذا كان له ما أراد على المستوى الوطني ولم يعد يحتاج إلّا الى طلب السلطات السورية الرسمية لتشريعها. فكانت الرسالة الرئاسية السورية التي طلب الى الرئيس بشار الأسد توجيهها طالباً الدعم والمساندة لمواجهة الإرهاب واستعادة سيطرة الجيش النظامي على أراضي بلاده. فتزامنت وربما جاءت متأخرة ساعاتٍ بعد قرار الدوما ما جعلها رسالة لا بدّ منها يمكن حفظها في الأرشيف فـ»ما كتب كان قد كتب» وبات كلُّ شيء جاهزاً للتنفيذ.

في هذه الأجواء لاحظت مصادرُ ديبلوماسية أنّ بوتين استنسخ منطق «حزب الله» في تبرير انتقال «المقاومة الإسلامية» من لبنان الى سوريا للمشاركة في الحرب. فقال ومعه مختلف الناطقين الرسميين باسم وزارات الخارجية والدفاع والأمن القومي بالتأكيد أنّ العملية العسكرية لها أهدافها «الوطنية»، وأجمعوا على أنها «عملية إستباقية» تتّصل بحماية الأمن القومي.

وقال التبريرُ الروسي المستنسَخ إنّ على الجيش الروسي أن يذهب بكامل عتاده وأسلحته الى حيث الإرهابيين قبل أن يصلوا الى عقر داره سواءٌ في الأراضي الروسية أو في الدول المحيطة بها والتي يدور البعض منها في فلكها مثل الشيشان وكازاخستان وافغانستان وغيرها من الجمهوريات الروسية السابقة التي يشارك مقاتلون اسلاميون متشدِّدون منها في صفوف «داعش»

وغيرها من المنظمات الإرهابية، وفق التصنيف الروسي الذي وضع لائحة خاصة به أطول بكثير من لائحة الحلف الدولي الذي جهد في الفترة الأخيرة في تصنيف المنظمات السورية بين «إرهابية وغير إرهابية»، الى حدِّ اعتبار بعضها «صديقة» طالما أنها جاهرت بالعداء وقاتلت «داعش» والنظام معاً، فنالت منه ما نالته من أسلحة واموال وتدريب وتقنيات ومعلومات.

وبذلك نجحت الإدارة الروسية أيضاً في تخفيف المعارضة الدولية عبر الإشارة الى أنّ عملياتها تهدف الى ضرب الإرهاب وتردّداته حيث لم ينجح الآخرون من اطراف الحلف الدولي.

لا بل فقد نجحت موسكو في التشكيك في نوايا الحلف، فبدأت إستعراضها العسكري مرفقاً باستعراضات إعلامية في «حرب دعائية» مكشوفة لم يألفها الروس سابقاً، فعمّمت عبر الفضائيات الدولية أفلاماً لغاراتها مرفقة بروايات وتسريبات عن إخلاء المسلحين لمواقعهم والفرار بعائلاتهم الى العراق على «الطريقة الهوليودية» وهو ما يخالف الواقع كثيراً.

تزامناً، وسَّع الروس شرح أنواع أسلحتهم وصواريخهم المستخدَمة وهو ما أقنَع بعض الشعوب العربية والغربية بجدّية أكبر لم يُثبتها الحلفُ الدولي سابقاً.

وأمام استنساخ الروس لمنطق «حزب الله» سياسياً وإعلامياً، يبقى أمامهم أن يعطوا درساً في إمكان تكرار التجربة الأميركية ومعها دول الحلف في تعاطيهم مع الأزمة. لذلك طرح السؤال جدياً: هل سيستنسخ تجربتهم بإبقاء عمليتهم العسكرية الجوّية من دون النزول الى الأرض السورية أم أنهم سيخالفونها بإنزال الآلاف من العسكريين يُقال إنهم جاهزون للمشاركة في العملية البرّية المقبلة؟

بالتأكيد لا جوابَ واضحاً من اليوم، وانتظار الجديد الذي يؤكّد ما هو مقبل من إجراءات روسية يَستدعي التريّث الى حين يعتقد أنه لن يكون طويلاً.