لعبة عضّ الأصابع بخصوص معركة تشكيل وفد المعارضة السورية إلى «جنيف 4» مستمرّة، ما قاد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دو ميستورا إلى تأجيل انعقاده إلى 23 الشهر الجاري بدلاً من العشرين منه. ما هي آخر التطوّرات التي تحدث الآن على هذا الصعيد، بحسب المصادر المواكبة لهذه العملية؟
أوّلاً – تكشف هذه المصادر أنّ كلاً من القاهرة وموسكو اعترضتا لدى الأمم المتحدة على تشكيلة وفد المعارضة التي تقرّرت خلال اللقاء الأخيرة في الرياض قبل أيام.
وعلى الرغم من أنّ وفد المعارضة كما حدّده اجتماع الرياض تضمّنَ شخصيات محسوبة على موسكو والقاهرة، فإنّ الهيئة العليا حاولت اللعبَ على انتقاء الاشخاص، بحيث إنّها انتقت شخصيات للوفد من هيئة التنسيق التي تمثّل معارضة الداخل ومن منصتي القاهرة وموسكو، تمتاز بأنّها لم تقطع تمثيلها في الهيئة العليا.
وعليه احتجّت موسكو والقاهرة في مراسلاتهما خلال الساعات الاخيرة مع الامم المتحدة على قيام الهيئة باستنساب اسماء الوفد، وطرحتا رؤيتهما لتصحيح خطأ الهيئة العليا، عبر تقديم اقتراح خطوط عريضة للطريقة الواجب انتهاجُها لتركيبة الوفد ونسَب التمثيل فيه، ونصّت هذه الرؤية، بحسب معلومات «الجمهورية»، على الآتي: 3 أعضاء للهيئة العليا، و3 أعضاء للائتلاف، و3 أعضاء من منصة القاهرة و3 آخرين من منصة موسكو، والبقيّة من المستقلّين والهيئات والجمعيات المدنية والنساء.. ألخ.
الهيئة العليا ردّت أنّ موسكو ترمي من وراء اعتراضها إلى ممارسة سياسة خلطِ الأوراق على نحو ذكي، بغرضِ جعلِ وفد المعارضة إلى جنيف غيرَ منسجم سياسياً ومنقسماً إلى تيارَين، كلّ منهما يحمل مشروعاً سياسياً يتباين حول قضايا أساسية، مثل الموقف من الانتقال السياسي وهيئة الحكم الانتقالي ومصير الرئيس بشّار الأسد.
واضحٌ أنّ الساعات الأخيرة التي تلت إعلان وفد المعارضة السورية إلى جنيف، حفلت بحراك إقليمي لتصحيح نسخته الأولى كما أعلنت نهاية الأسبوع الماضي، حيث تمّ استبدال عضو الوفد فيه الممثّل لـ«صقور الشام» بعضو من «جيش الإسلام» هو محمد علوش المشترك بين الفصائل المشاركة في أستانة وبين الرياض، كذلك نجحت القاهرة في إضافة جمال سليمان إليه.
وفي المقابل تضغط موسكو ومعها مصر لتغيير تركيبة الوفد بحيث تصبح هي والقاهرة، وليس الهيئة العليا للتفاوض، المخوّلة انتقاءَ أسماء ممثّلي منصتي موسكو ومصر، مع المطالبة أيضاً بزيادة عدد ممثّليهما إلى ثلاثة أعضاء، بدلاً من عضو واحد كما هو الحال الآن. وتريد موسكو إضافة قدري جميل إلى الوفد، علماً أنّ الأخير يشترط لانضمامه تقليصَ دور الهيئة العليا كقائدة له.
ثانياً – في كلّ الحالات إنّ الوفد السوري المعارض إلى «جنيف 4» يختلف بتركيبته عن وفود المعارضة الى جولات جنيف السابقة. ويَكمن التغيير أساساً في توسيع أطره التمثيلية، وإنشاء توازن فيه بين أطياف المعارضات السورية في مقابل أنّ الوفود السابقة تميّزَت بأنّ الهيئة العليا هي التي كانت تحتكر التفاوض باسمِ كلّ أطياف المعارضة.
ومسار التغيير الذي طرأ حاليّاً على نوعية وفد المعارضة الحالي وتركيبته، كان قد بدأ منذ ما بعد جولة جنيف السابقة، وتعاظمَ بفعل تطورات وضعِ الميدان السوري إثر معركة حلب.
فبعد الجولة السابقة من جنيف اعترَض النظام السوري لدى الأمم المتحدة على احتكار «الهيئة العليا» عملية التفاوض باسمِ كلّ المعارضة، وعلى الأثر طلبَت المجموعة الدولية من الرياض العملَ على توسيع الأطر التمثيلية داخل هيئة التفاوض العليا، وبالفعل جرت مفاوضات في السعودية أدّت إلى تمثيل شخصيات من «هيئة التنسيق» ومنصتي القاهرة وموسكو ومستقلين في الهيئة.
وخلال التفاوض لتشكيل وفد المعارضة الحالي، وسّعت الهيئة الوفد من خلال إشراك ممثّلي أطياف المعارضة الأخرى الذين انضمّوا إليها ممثّلين أحزابَهم أو تجمّعاتهم.
لكنّ موسكو اعترضَت على هذا الإجراء واعتبرته استنسابيةً تمارسها الهيئة لتمثيل أطياف من خارج جسدها التنظيمي، وتطالب بأن تسمّي هذه الأطياف ممثليها بنفسها وتقترح تركيبة الوفد كما هو مشار إليه أعلاه.
ثالثاً – نسبة تمثيل الفصائل المقاتلة التي شاركت في اجتماع أستانة، داخل الوفد الراهن الى جنيف هي نصف ناقص واحداً. وهذه الفصائل لا تزال تعتبر أنّ الهيئة العليا هي ممثلها السياسي وتدعم رؤيتها لحلّ الأزمة السورية التي لا تزال تتضمّن المطالبة برحيل الأسد مع التخلّي عن اعتبار هذا الأمر شرطاً لبدء مفاوضات سياسية مع النظام.
موسكو والقاهرة اللتان تنظران بارتياب إلى دور الهيئة العليا في العملية السياسية السورية، تسعيان الى تخفيف سَطوتها السياسية على إنتاج الحلّ السياسي في سوريا، وعليه فإنّهما تحاولان خلقَ توازنات سياسية داخل الوفد تمثّل أطرافاً لديها رؤى متباينة للحلّ، وليس فقط تنوّعاً في تمثيل أطر أطياف المعارضة.
وداخل مربّع هذا التوجّه تكمن المعركة الراهنة بين الهيئة العليا من جهة، وبين موسكو ومعها مصر من جهة أخرى، وذلك لمناسبة التفاوض على تشكيل وفد المعارضة إلى «جنيف 4».
ما حصَل حتى الآن هو أنّ الهيئة قبلت بتوسيع أطُر تمثيل وفدِها ليضمّ شخصيات من القوى الأخرى، ولكن عبر انتقائهم ممّن لديهم تعريف بأنّهم يحملون صفة أنّهم يمثّلون أطيافَهم داخل الهيئة، فيما موسكو تريد أن تصبح الهيئة جزءاً من الوفد وليست إطاره السياسي المُعبّر عن مشروع المعارضة السياسي.
هناك شكّ في قدرة موسكو على حسمِ هذه المعركة لمصلحتها في هذه المرحلة، وعليه قد تكتفي بنصف الإنجاز الذي حقّقته الآن على مستوى تطعيم وفد الهيئة بشخصيات من أطياف المعارضة الأخرى.
وبحسب معلومات فإنّ الحلّ للشقاق القائم حالياً بين موسكو والهيئة قد يُحسَم بتراجع موسكو لمصلحة الاكتفاء بالإنجاز الذي حقّقته حتى الآن، أو عدم التسليم به، والطلب من دو ميستورا توجيه الدعوة إلى وفد معارضة ثانٍ له صفة مراقب يحضر جلسات جنيف إلى جانب وفد المعارضة الرسمي، ويتشكّل من منصتي القاهرة وموسكو وشخصيات أخرى.