لافت للانتباه، تأكيد وزارة الدفاع في موسكو مقتل كبير المستشارين العسكريين الروس في سوريا الجنرال فاليري أسابوف في محيط مدينة دير الزور نتيجة قصف مصدره «داعش»..
السرعة في تأكيد الخبر الذي كان تردّد أول من أمس، يدلّ على شفافية غير معهودة لدى صنّاع القرار الروس! وهم الذين أظهروا منذ بدء «عاصفة السوخوي» في أواخر أيلول عام 2015 حساسية استثنائية إزاء نشر الأخبار عن خسائرهم في سوريا، وصولاً الى أن أحداً حتى اليوم، لا يعرف حقيقة أرقام تلك الخسائر ولا طبيعتها ولا ظروفها التامة. بل إن ذلك في جملته يُعتبر واحداً من أسرار الدولة! وطقساً من طقوس الأداء الذي تتّبعه راهناً، مثلما كان الحال سابقاً أيام الاتحاد السوفياتي.. الراحل!
الخبر كبير بقدر كبر وظيفة الجنرال أسابوف. ونشره وتأكيده وبهذا السرعة يدلاّن على أمر غير طبيعي حصل أو سيحصل! خصوصاً أنّه تزامن مع تطور ميداني لافت جداً بدوره، هو تكرار الطيران الحربي الروسي غاراته على «قوات سوريا الديموقراطية» المدعومة أميركياً في مواقع سيطرتها، وخصوصاً قرب حقل غاز «كونوكو» الذي طردت «داعش» منه قبل أيام فقط.
سبق للطيران الروسي أن استهدف تلك القوات قبل أيام، ما أثار «حفيظة» الأميركيين. ودفعهم الى إعلان الخبر ولفت «انتباه» موسكو الى أنها تستهدف حلفاءهم! لكن تكرار الأمر يدلّ على تقصّده. وهذا يعني تفلّتاً روسياً من تفاهم مُسبق على تقاسم مناطق النفوذ في دير الزور هذه. ومحاولةً لضم المدينة وحقولها النفطية والغازيّة الى دائرة سيطرتهم.. أو بالأحرى تجييرها لحساب الرئيس السابق بشار الأسد علّها تعوّض، بمردودها المادي، شيئاً من خسائره الكبيرة!
اللافت المقابل، هو أنّ الأميركيين التزموا الصمت هذه المرّة! وكأنّهم في مكان ما «يتفهّمون» ما تحاول موسكو أن تحققه، لكن من دون السماح لها بذلك! والأمر الطبيعي في هذا السياق، هو أن تبقى «قوات سوريا الديموقراطية» في مواقعها! وأن تردّ موضعياً على استهدافها، وأن تُبقي تركيزها على إنهاء ما تبقى من «دواعش» في مسرح عملياتها!
لكن الواضح، هو أنّ الروس سيتابعون محاولة العبور الى الضفة الأخرى للفرات. وتمكين جماعة الأسد من إعادة السيطرة على كنزهم الأثير! وتلك عملية لا بدّ من تأمين «مبررات» كافية لها.. لا يكفي الإعلان قبل أيام (مثلاً) عن تعرّض قواتهم في المنطقة لنيران مصدرها «قسد»! ولا يمكن الزعم بأن القذائف التي قتلت الجنرال أسابوف جاءت من عند حلفاء أميركا! بهذا المعنى، ربما، يُفهم مغزى الإسراع في الكشف عن مقتله وتحديد هويته ورتبته الرفيعة! ولا يهمّ بعد ذلك، أن يُقال إن «داعش» هو المجرم لإكمال الهجوم على غير «داعش»!
فذلك في كل حال، ما فعلته وتفعله موسكو منذ بدء «عاصفة السوخوي»: تقول إنها تستهدف الإرهاب، وتضرب كل معارض لبقايا السلطة الأسدية!