Site icon IMLebanon

موسكو وطهران ودمشق بينهما!

طهران طلبت من روسيا النزول في سوريا. طهران كما اكدت مراراً، كانت قد وصلت الى قناعة بأن الرئيس بشار الاسد في خطر، وأن سقوط النظام أصبح مسألة وقت، فاستجارت «بالقيصر» فلاديمير بوتين. درس «القيصر» الطلب بعناية، فوجد ان العودة بقوة الى الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط بهذه الطريقة قوية، وان كانت مكلفة، وانها تأتي في الوقت المناسب للثأر من «خديعة» ليبيا، ولتفكيك الحصار عليه في اوكرانيا، وفتح منفذ له على المدى المتوسط للتفاوض عليها من موقع قوة. ارسل «القيصر» «شيئاً» من سلاحه الجوي للتدخل. بهذا تفادى الغرق في «المستنقع» البري وعدم «أفغنة» وجوده العسكري، وأوقف من جهة اخرى انهيار الاسد ونظامه، وبالتالي تفكك الاستراتيجية الايرانية، والاضطرار الى التراجع العميق. طهران لا يمكنها الانسحاب من سوريا، مهما بلغت الكلفة المادية والبشرية، بينما موسكو، انسحبت فجأة. حتى لو كان انسحابها محدوداً او بحساب، فإنها جعلت عودتها بقوة رهناً بالتطور الميداني، وبطبيعة الحال بتكرار الطلب الايراني بالمساعدة والدعم العاجلين. لذلك خطة موسكو تتبلور يوماً بعد يوم. لا يريد «القيصر» أن يسقط الاسد حالياً لكنه مستعد للمقايضة.. كلما طال وجوده نجح في «قضم» جزء من حصة ايران. الحاجة للآخر تدفع الى تقديم التنازلات وايران هي المحتاجة.

ما يضاعف تعميق هذا الوضع، ان طهران بحاجة الى موسكو في ميدانين:

[ السلاح: لأنه ليس امام طهران من سوق للسلاح المتطور مثل السوخوي 30 والدبابة تي 95 سوى موسكو.

[ النووي: مهما تقدمت طهران في القطاع النووي فانها بحاجة الى موسكو لمدها بالمفاعلات النووية وتنقيتها ودعمها امام باقي اعضاء مجموعة الخمسة زائد واحد.

موسكو لديها استراتيجيتها وهمومها الكبيرة. «القيصر» يريد ان تصبح بلاده شريكة في القرار مع واشنطن، ولو عبر «حرب باردة صغيرة». كلما نسق مع واشنطن حقق مكاسب اضافية لانها بذلك ستدعمه في قراراته السورية وفي التعامل مع اوروبا. في الوقت نفسه تكسب واشنطن في قصقصة «أظافر« طهران. لم يعد سراً أن طهران تشعر اكثر فأكثر انها ما زالت محاصرة بطريقة اخف من السابق، ولكن بضغوط متواصلة، تؤكد لها يوماً بعد يوم انها ما زالت مقيدة وتحت المراقبة. عودة المتشددين الى خطاب إقفال مضيق هرمز اشعار جديد بالعجز عن المجابهة السياسية التي تتطلب تقديم تنازلات حقيقية ومفتوحة على التغيير الداخلي والخارجي معاً.

تملك ايران بالتأكيد استراتيجية متعددة المراحل والطبقات وخطط «أ» و»ب»، وذلك مثل كل الدول التي لا تتحرك اعتماداً على التحولات والضربات المتفرقة. طهران اليوم وغداً، مع المرشد آية الله علي خامنئي ومع «كتلة الامل» لن تتخلى عن سوريا وموقعها فيها، مهما بلغت كلفتها. لكن يمكنها ان تقايض الاسد بثمن مرتفع في مرحلة معينة ليست اليوم. ما تريده طهران:

[ أن يكون خط الدفاع عن حدودها بعيداً بأقصى ما يمكنها. بدلاً من مواجهة «خصومها» على الحدود أو في «حرب ناعمة» في داخلها تواجهها وتلاحقهم بعيداً. هذه الاستراتيجية ناجحة خصوصاً في الدول التي تشعر دائماً انها «محاصرة».

[ خسارة ايران كلياً في سوريا ممنوعة للنظام الايراني، لان ترجمة ذلك خسارة «حزب الله» وبالتالي ابتعادها الجغرافي عن الحدود مع «فلسطين»، الذي عرفت كيف تستثمره ايديولوجياً وسياسياً بنجاح كبير.

لذلك ما تريده طهران وتسعى إليه هو استمرار وتطوير امساكها الخط الاستراتيجي الممتد من بغداد الى دمشق وصولاً الى بيروت. هذا الخط البري هو «وريد» لوجودها ووجود «حزب الله» في زمن تتصاعد فيه مصاعب ومخاطر الخطوط الجوية والبحرية.

هل تعني هذه الاستراتيجية، فقدان الأمل من انتاج أي تغيير ايراني داخلي أي تغيير في سياستها الخارجية وتحديداً مع محيطها الجغرافي العربي؟ لم يعد امام ايران مهما بلغ طموح المرشد آية الله علي خامنئي، مساحة للتدخل السلبي بقيادة الجنرال قاسم سليماني. 

كلما قوي وتدعّم خط الاعتدال داخلياً ممثلاً «بالترويكا»: الرؤساء هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني ومحمد خاتمي ومعهم حسن الخميني يعني توجهاً قوياً ومباشراً نحو الحوار مع الجوار والعالم والتفاوض السياسي والديبلوماسي.

«عاصفة الحزم» السعودية في اليمن، انتجت خطاً أحمر قابلاً للتطوير والتمدد. الموقف السعودي الجديد كما ثبت ليس وليد انفعال او حركة طارئة او تكتيكاً قابلاً للتراجع. إنها استراتيجية متحركة ولو كانت كلفتها كبيرة في مواجهة التمدد الايراني. يوماً بعد يوم يتأكد ان ايران مضطرة للسير في مسار سياسي وديبلوماسي جديد.

لن تتبلور مفاعيل هذا المسار الجديد بسرعة، لأن التصعيد سيّد الموقف حتى الخريف القادم عندما يدخل الجميع وأولهم الولايات المتحدة الاميركية مرحلة الخيارات النهائية في قلب السلطة التي تنتج الاستقرار وموازين جديدة وثابتة قادرة على صياغة مواقف يمكن لها وللآخرين البناء عليها.