من يريد أن يشعل النار في تركيا؟
سؤال كبير وخطير ولكنه واقعي جداً، رغم أن تركيا هي دولة اقليمية كبرى لها حضورها ودورها الفاعل والمؤثر في الاستراتيجية الدولية فإن ما يحرقها يحرق المنطقة. تركيا شكلت طوال الحرب الباردة التي استمرت قرابة نصف قرن «الجدار الحديدي» الذي حمى أوروبا الغربية من الاتحاد السوفياتي والشيوعية.
تقف تركيا حالياً على «حافة السكين». ان تقدمت دخلت في مواجهات مجهولة النتائج، وإن تراجعت فقدت كل دور، واضطرت الى التقوقع وخسرت كل ما ربحته مع «الأردوغانية» في التحول الى «الرقم الراجح» في معادلات منطقة الشرق الأوسط.
«القيصر» يريد الانتقام من «السلطان»، هذا ليس سراً. السؤال: الى أي مدى يبدو فيه «القيصر» مستعداً للذهاب اليه دون تعريض كل استراتيجيته للخطر خصوصاً أن أحد الخيارات المطروحة، في الحرب السورية حالياً «الحرب الواسعة»، أو ما يشبه الحرب العالمية المباشرة؟. الدخول في أي مواجهة عسكرية مع تركيا يضع الحلف الأطلسي أمام خيارين لا ثالث لهما: أي مساندة تركيا وبالتالي مواجهة روسيا، أو الامتناع عن أي رد فعل، فتخسر تركيا الحرب ويكون الحلف الأطلسي قد أطلق على نفسه الرصاص، إن لم يُقتل يُشلّ وتعلن وفاته «سريرياً«، فتتغير كل المواجهات وتمسك موسكو بالقرار من الشرق الأوسط الى أوروبا كل أوروبا وبطبيعة وبفعل الترددات والتراجعات في آسيا الوسطى. بهذا يكون «القيصر» قد استعاد ما يراه حقاً لموسكو وربما أكثر… ولتغرق واشنطن في التجارة والاقتصاد مع الصين و»النمور» الآسيوية، علماً أن أسواقاً ضخمة مثل أسواق دول مجموعة «البريكس» مفتوحة أمام موسكو.
«القيصر» والمرشد» خامنئي سواء عن سابق تصور وتصميم، أو بفعل «شهية» الانتصارات، يتابعان تعاونهما في سوريا، وصولاً الى محاصرة تركيا من شمال سوريا باللاجئين السوريين الهاربين من نار القصف الجوي الروسي، أو العجز عن الحركة فإذا هو قبل بهم فتلك كارثة انسانية وسياسية، وإن فتح الحدود باتجاه أوروبا، فكل الاحتمالات واردة. في الحالتين تركيا أصبحت أسيرة وضحية لتسونامي ضحايا الحرب الأسدية الروسية الايرانية. لم يعد من المبالغة الكلام عنها بهذا التحديد خصوصاً ان لوران فابيوس ودّع وزارة الخارجية الفرنسية بعد تعيينه رئيساً للمجلس الدستوري بكلام خارج عن قيود الديبلوماسية فيتحدث عن «تواطؤ« الروس وإيران في الوحشية المخيفة لنظام الأسد وان «الصمت الأميركي« دفع الروس والإيرانيين الى فهم «اللعبة» والمضي في خطتهما المشتركة رغم تباعد الأهداف بينهما.
وسط هذا «اللعب« الدامي والمنظم، تكمن نواة فوضوية منتجة لمتناقضات لا يمكن حتى الآن استيعاب دوافعها ولا تحديد نتائجها. من ذلك أن موسكو فتحت ممثلية لأكراد سوريا فيها. وقد وصفت سينا محمد ممثلة «غرب كردستان» في دول أوروبا وأميركا، افتتاح الممثلية في موسكو بأنه حدث تاريخي، وانه الخطوة الأولى على طريق افتتاح ممثليات لأكراد سوريا في فرنسا والمانيا والسويد والولايات المتحدة الأميركية».
بعيداً عن «شرعية« حق الأكراد أو عدمه في بناء كيان لهم يحقق الحلم الكردي القومي في اقامة «دولة كردستان الكبرى«، فإن الموقف الروسي يبدو عصيًّا على القراءة والفهم. ذلك أن دعم موسكو أكراد سوريا بهذه الطريقة يتناقض كلياً مع وحدة سوريا ودولتها، فهل تفعل ذلك بالتنسيق مع بشار الأسد تمهيداً للاكتفاء بـ»سوريا المفيدة»؟
ماذا عن تركيا؟ هل وصل الأمر بموسكو في ظل صمت أميركي مترافق مع دعم سياسي وتسليحي للأكراد الى درجة تشريع حرب انفصالية كردية في تركيا مما يشرعها أمام «حرب أهلية» فيها مفتوحة على الأخطار؟ الأتراك كائناً من كان يحكمهم لن يتحملوا ضرب اقتصادهم والعمل على قطع ما يعادل «أرجلهم» من «الجسد» التركي.
وماذا عن ايران هل وصلت بقرارها في ربح الحرب في سوريا الى درجة المخاطرة بقبول اغراق تركيا في حرب أهلية مع الأكراد، علماً ان أكراد ايران لن يجلسوا مكتوفي الأيدي أمام إغراء تحقيق طموحهم بالاستقلال الناجز أو الذاتي، بعد ولادة «كردستان العراق وكردستان سوريا وهم السباقون الذين أقاموا «جمهورية مهاباد» الكردية عام 1946؟
يقال إن «المكتوب يقرأ من عنوانه». في الشرق الأوسط اليوم، ومع تعدد العناوين يزداد غموض «المكتوب». التناقضات ضخمة ومتداخلة الى درجة ان فك الحروف منها قبل النصوص معقد جداً خصوصاً أن الأغلبية المطلقة منها مغمسة بدماء الشعب السوري.