يشبه جواد ظريف، الحامل إلينا رسالة “محبة ودعم” بعد جريمة تفجير بيروت، “لقاح الكورونا” الذي احتفل الرئيس بوتين بتوصّل بلاده إليه بنجاح منقطع النظير. كلاهما رائع ولذيذ لدرجة تُصعّب على الساذج التصديق، ويخشى معها صاحب الفطنة والخبرة الوقوع في براثن التجريب.
ملَّ اللبنانيون “رسائل” طهران التي تنهال عليهم منذ عقود ويطمحون الى صفحة جديدة ملؤها الصدق الحقيقي، ومِثلهم، فإن البشرية المكلومة تتمنى ان يكون “لقاح موسكو” هو الضَّالة التي يبحث عنها العلماء. ذلك ان الشكّ الذي واجهت به منظمة الصحة العالمية وسائر الدول الغربية العاملة على اختبارات لقاح آمن وفعال “الاكتشاف” الروسي، له ما يبرّره بالتأكيد، ليس انطلاقاً من واجب التحفظ العلمي والتأكد من مسار الاختبار فحسب، بل لأنّ شعار موسكو البوتينية وريثة الاتحاد السوفياتي هو إيهام الشعب بالانجازات وتحدّي العالم عبر إظهار العضلات ولو على حساب الشعوب الحرة والأرواح.
لا عجب إن وصَل الشبه بين روسيا وايران حد تماثل أو تطابق، فنظاما البلدين يتعاملان مع شعوبهما على أنّها رعايا في خدمة السلطان. فشلٌ اقتصادي لا ينفصل عن عزة وطنية مفتعلة، وديموقراطية مفصّلة على قياس استمرار السلطة، وأطماع اقليمية تعوّض نقص الشرعية الداخلية، أما الجامع المشترك الأكثر ايلاماً فهو ترويض الحقائق والأرقام فيما خط الفقر ومؤشر الفساد يزحفان صعوداً بالتوازي مع القمع والاعتقالات.
ليس غريباً أن تلتقي تصريحات القادة الايرانيين، إثر تفجير المرفأ وتدمير نصف العاصمة، مع إبلاغ بوتين الرئيس ماكرون وجوب عدم التدخل الخارجي في لبنان. والتصريح ظاهره حرص مشكور على السيادة لولا انّ قائله صاحب باع طويل في الحروب على أرض الآخرين في جورجيا وأوكرانيا وسوريا، ويصعب ان ننسى سلوكه ازاء المعارضين الروس في الداخل وأزماته مع الغرب بسبب مطارداته لمعارضي الخارج.
يتشارك الايرانيون والروس في “دبلوماسية مَحبة الشعوب والسلام”، وبلدنا نال وينال منها قسطاً لا يستهان به، كون “الجمهورية الاسلامية”، بُعيد قيامها، ملأت “بجدارة” فراغ تسليح وتدريب الميليشيات الذي تولاه الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية على مدى ربع قرن في لبنان. والنتائج “مذهلة” منذ مساهمات موسكو في “الحرب الأهلية” وصولاً الى عقدة السلاح غير الشرعي المربوطة في طهران.
لا شيء تغير. لافروف “الثعلب” يرث غروميكو الملقب بالسيد نييت (لا)، وزاسبيكين المستعرِب لا يختلف عن سولداتوف المتأمّل. لغة خشبية متأصلة لا يضاهيها سوى تفوق ظريف على ولايتي وصالحاني وسائر وزراء الخارجية الايرانيين في بيع الابتسامات، وإحراج السفير الايراني محمد جلال فيروزنيا امام البطريرك الراعي في الديمان… فهل في جعبة ظريف رسالة أكثر إثارة من “براءة” قول سفيره للبطريرك: نحن لا نتدخل في لبنان؟
يبقى الأمل معقوداً على ان يكون لقاح بوتين شافياً من الكورونا، فتصدُق روسيا وتصيب بعدواها محور ايران.