Site icon IMLebanon

موسكو بين اختيارَين: طهران أم تل أبيب؟

 

لم يكن التحرّش الإيراني من طريق طائرة «درون» بلا طيار انطلقت من الأراضي السورية نحو شمال إسرائيل، إلا صرخة المكتوم في ضوضاء تعالي الأصوات الدولية، صاحبة النفاذ والرجاحة السياسية والعسكرية على الأرض السورية، وفي مقدمها روسيا. وقد جاء الرد الإسرائيلي سريعاً من خلال 12 غارة نفذها الطيران على مواقع عسكرية بالقرب من دمشق انتهت بسقوط طائرةً F16 المتطورة لتل أبيب.

حتى اليوم، لم تتضح الصورة في شكل كامل، وبالتفاصيل المطلوبة، لكيفية سقوط هذه الطائرة، ولو أن بعض التقارير تناقل نبأ إسقاطها بصاروخ سام 5 الذي خضع للتطوير الروسي منذ تسلّمته سورية قبل عقود. غير أن المغزى من هذا الاستعراض «الحربجي» على الطرفين الإسرائيلي والسوري، وفي هذا التوقيت بالذات، هو حمّال وجوه واعتبارات.

فإيران التي وجدت أنها دُفعت من الحدود السورية مع الجولان المحتل نحو محيط دمشق، إثر الاتفاق الذي تم بين عمان وموسكو وواشنطن في المنطقة المنخفضة التوتر هناك، وهي المنطقة الوحيدة من مجمل المناطق المنخفضة التوتر التي حافظت على وقف إطلاق النار فيها بضغط أميركي لافت، لم ترض بالمطلق عن خسارتها لتلك المواقع المتقدمة مع إسرائيل، والتي ستضمن لها مناورة أوسع على طاولة المفاوضات بين الدول الضامنة من جهة، وأميركا الرابضة للحظة قنص كل مراميها في سورية دفعة واحدة وبلا تردد. ولم ترَ طهران ضمن هذه الشروط الجديدة لتغيّر الأوزان والمعطيات للدول الأربع ذات المنفعة المباشرة في سورية، إلا أن ترسل طائرة الدرون تلك لتقول: أنا هنا!

ومن المضحك والمبكي في آن، أن السفير الإيراني في دمشق ظهر على شاشة التلفزيون الرسمي السوري إثر سقوط الطائرة الإسرائيلية ليبارك العملية ويهنئ الشعب السوري بهذا الانتصار الجوي على إسرائيل، بينما لم يظهر وزير الدفاع السوري أو رئيس أركانه على أقل تقدير للإعلان عن التصدي للاعتداء الإسرائيلي على الأجواء السورية.

طبعاً، لم يفت على المسؤولين في النظام السوري ومعسكره الإعلامي توظيف سقوط الطائرة لمصلحة إعادة تداول الشعارات الممجوجة التي كرسها الأسد الأب، ومن بعده الابن، من أن هذه العائلة هي وحدها القادرة على حماية الأرض والسيادة الوطنية من أطماع تل أبيب، ولو أن هذا التسويق الإعلامي للأسد جاء مغلفاً بغموض العملية وتأرنُب (من أرنب) الجيش النظامي أمام العديد والعتاد الروسي والإيراني، اللذين استقرا على أرضه لا للدفاع عن النظام وحسب، بل عن خارطة نفوذ الدول المعنية التي ملعبها الأرض السورية. وحين يقترب الجميع من تقاسم مواقع النفوذ في سورية، سيرتفع معدل التوتر الميداني والتفاوضي بدرجة موازية لطموح اقتسام الكعكة السورية ولحجم المصالح الدولية الطويلة الأمد. فإيران ذات المطامع العقائدية تريد أن تسترد ما استثمرته في الإبقاء على بشار الأسد ونظامه، ليشكّل وتداً آخر يضاف إلى أوتاد غرستها في لبنان واليمن والعراق، لرفع خيمة مشروعها الطائفي التوسعي العابر للحدود. وإيران المستشرية في النسيج السوري بأذرع ميليشياتها الأخطبوطية، تريد أن تعزز من موقعها في ملف الاتفاق النووي الذي تعد الولايات المتحدة العدة لقلب طاولته على رؤوس متشددي طهران وملاليها، لتفوّت بذلك الفرصة على واشنطن من خلال ليّ ذراعها حيث الوجع العميق: أمن إسرائيل. إلا أن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسن، الذي يقوم بجولة هذا الأسبوع لدول في المنطقة ستشمل مصر والأردن ولبنان والكويت وتركيا، لم يضف إلى برنامج زياراته محطة تل أبيب إثر هذا التصعيد الأخير، الأمر الذي دعا مدير عام المخابرات الإسرائيلية، تشاغي تزورييل، إلى حض الولايات المتحدة على ضرورة مقاربتها للرؤية الإسرائيلية لنوايا إيران في سورية، واصفاً إيران بأنها «سيدة لعبة الانزلاق نحو المنحدرات».

أما روسيا، التي وضعت يدها في يد إيران لدعم النظام السوري من أجل الاستمرار في السلطة، فما فتئت تتوجس من النفوذ الميليشياوي الإيراني على رغم أنها تسيطر على الأجواء السوريّة تماماً. وروسيا التي تواصلت في شكل وثيق ومتصل مع إسرائيل، هي من مهّد الأجواء (غضّت الطرف في أضعف الإيمان) لدخول الطيران الإسرائيلي وضربه مواقع عسكرية حساسة للنظام ولطهران قرب دمشق، إثر سقوط المقاتلة الإسرائيلية. وعلى رغم أنه لم تُحسم حتى اليوم كيفية سقوط الطائرة الإسرائيلية F16، هل بفعل عطل تقني في تشغيلها أم بالدفاعات الجوية السورية المختلطة الهوية، إلا أن فصل المقال يكمن في الاتجاه الذي ستأخذه موسكو بعد هذا الحدث المنعطف، إذ لن يمكنها بعد اليوم أن تستمر في سيرها البهلواني على حبليّ إسرائيل وإيران معاً، وعليها أن تحسم أمرها على أي جانبيها ستميل.