تشهد أروقة الخارجية الروسية حركة لافتة استعداداً لعقد الجولة الثانية من مشاورات موسكو بين أطراف الأزمة السورية أوائل نيسان المقبل.
يُبدي أركان الديبلوماسية تفاؤلاً ملحوظاً تجاه هذه الجولة باعتبار أنّ عودة الاطراف الى الطاولة الموسكوفية مؤشرٌ إيجابي. تفاؤل المسؤولين الروس ينطلق من اعتبارات عدة يصفونها بالمؤثرة على مواقف كلّ أطراف الازمة، خصوصاً أنّ المعلومات تفيد بأنّ بعض اطراف هيئة التنسيق الوطني الذين شاركوا في الجولة الأولى قد تمكنوا من إقناع بعض مكوّنات الإئتلاف السوري المعارض بضرورة المشاركة، انطلاقاً من أنّ المشاورات لا تلحظ أيّ قرارات ملزمة.
زد على ذلك أنّ موسكو قد وضعت جدول أعمال مبدئي يرضي الحكومة والمعارضة، إذ إنه يلحظ ضمن أولوياته النقاش في مسألتَي مكافحة الارهاب وملف المعتقلين في سجون النظام السوري بشكلٍ متواز، وتراهن موسكو على تحقيق تقدّم جدي في هذين الملفين لأنّهما يشكلان مفتاحاً أساساً لكسب الثقة بين أطراف الازمة.
اعتبار آخر لا يقلّ أهمية وهو أنه بات بحكم المؤكد أن يكون المبعوث الاممي الى سوريا ستيفان دو ميستورا حاضراً على طاولة الحوار بعدما لعب دور المحرّك الابرز في حضّ روسيا على معاودة الكرة مرة ثانية، علما أنها كانت غير راغبة بذلك بسبب تعذر الجولة الاولى في تحقيق نتائج الحدّ الأدنى. لكنّ حضور دو ميستورا هذه المرّة يعني حلول بركة الامم المتحدة من جهة، كما وأنه يسهل إقناع بعض اطراف المعارضة بالمشاركة من جهة اخرى.
لا شك في أنّ الاجواء الدولية حالياً قد تكون أكثر ملاءمة ممّا كانت عليها في الحوارات السورية السابقة، على رغم الأجواء المتوتّرة وحرب العقوبات واللوائح السوداء المستعرة بين روسيا والغرب، وتحديداً الولايات المتحدة. لكنّ التوصلَ الى اتفاق في شأن الازمة الاوكرانية قد عزّز فرص روسيا وجعلها في موقع القادر على التأثير المباشر في مواقف باريس وبرلين، بعد السلفة التي حصلتا عليها في مينسك.
كما أنّ مواقف وزير الخارجية الاميركية جون كيري الأخيرة عن إمكانية الحوار مع الرئيس بشار الاسد قد فتحت أبواباً لطالما أحكمت اقفالها واشنطن وكلّ مَن يدور في فلك سياساتها دولياً وإقليمياً وعربياً.
إذاً قد تشكّل جولة موسكو الثانية فسحة أمل للسوريين لإنهاء معاناتهم المستمرة منذ اربع سنوات، لكن وكما جرت العادة في التجارب السابقة فإنّ حسابات الحقل غالباً لا تتطابق مع حسابات البيدر، خصوصاً أنّ أطراف الأزمة كافة لم يتمكنوا الى اليوم من التوافق على تفسير بند المرحلة الانتقالية الذي أُقرّ في بيان جنيف 2012، فكيف إذا ما جرى الدخول في تفاصيل ما بعد تلك المرحلة التي ستخضع حتماً لتقاسم الغنائم من خلال تثبيت النفوذ في المشهد السوري بعد انتهاء الأزمة.
إضافة الى ذلك، فإنّ أساليب الحرب ضدّ «داعش» ومكافحة الارهاب لا تزال حجرَ عثرة أمام تقارب وجهات النظر بين الغرب وموسكو. بالطبع تبقى العقدة الابرز في أيّ تسوية كانت وفق أوساط الخارجية الروسي مصير الاسد، إذ إنّ الغرب يرفض كلياً الحديث عن دور له في مستقبل سوريا، فيما ترى موسكو أنّ اللعبة الديموقراطية التي يتغنّى بها الغرب تفرض حق أيّ فرد في المجتمع بممارسة الحياة السياسية، فكيف بشخص مثل الاسد لا يزال يحظى بشعبية كبيرة في المجتمع السوري بمكوّناته كافة، وهذا ما أثبتته الانتخابات الرئاسية الاخيرة بحسب الديبلوماسيين الروس.