على رغم المحاولات الحثيثة التي يقوم بها الديبلوماسيون الروس في الآونة الأخيرة لجَمعِ أطياف المعارضة السورية كافةً في موسكو نهاية الشهر الجاري، إلّا أنّ عقبات كثيرة لا تزال تحول دون ذلك.
لا شكّ في أنّ الحراك الروسي الأخير على خط الأزمة السورية، يؤكّد إصرار موسكو على تحقيق تقدّم في عملية البحث عن حلول سياسية للأزمة، لكنّ عدداً من الفصائل والشخصيات السوريّة لم يحسم مشاركته في اجتماعات العاصمة الروسية، وفقَ مصادر سوريّة معارضة، فيما أعلنَت أطراف أخرى رفضَها المطلق للمشاركة انطلاقاً من أنّ أيّ لقاءٍ مع الحكومة السورية يُعتبَر تشريعاً للنظام .
ويرى بعض المعارضين أنّ الروس يحاولون الدخول في تفاصيل العلاقات بين تيارات المعارضة بهدف اللعب على التناقضات وبالتالي تشتيتها من خلال التأثير على بعض التيارات السوريّة الفاعلة داخلياً وخارجياً. ويَعتبر أنّ اجتماعات موسكو هي جزء من المواجهة السياسية بين روسيا والولايات المتحدة، خصوصاً وأنّ روسيا لعبَت خلال السنوات الماضية دوراً مهمّاً في تغطية نظام الرئيس بشّار الأسد في المحافل الدولية، ووقفَت سَدّاً منيعاً أمام بعض المحاولات الإقليمية والعربية والدولية لمساعدة المعارضة ميدانياً لإسقاط النظام، وبالتالي فإنّ روسيا تمكّنَت من إطالة عمر نظام الأسد.
ويتّهم هؤلاء المعارضون الروس بأنّهم يحاولون اللعب على عامل الوقت بهدف تعزيز مواقفهم وكسبِ نقاط أكثر في أيّ عملية تفاوضية محتمَلة مع الغرب لاحقاً.
لذلك فإنّه من السابق لأوانه التعويل على مفاوضات موسكو للوصول إلى نتائج إيجابية، خصوصاً وأنّ الائتلاف السوري المعارض لم يتّخذ قراراً نهائياً بشأن مشاركته، لكنّ المؤشّرات تدلّ على أنّ غالبية مكوّنات الائتلاف لا ترغب بالذهاب إلى موسكو، الأمر الذي يزيد من الحواجز والعقبات أمام الجهود الروسية.
أمّا في ما يتعلق بالمشاركة في لقاءات موسكو، فإنّ ما تقوله المصادر السورية المعارضة يتقاطع مع معلومات متوافرة من أروقة الخارجية الروسية، لا سيّما أنّ أوساطها تؤكّد أنّ عدداً من الفصائل والشخصيات السياسية المعارضة لم يُبلِغ الديبلوماسيين الروس إلى الآن لا إيجاباً ولا سلباً بالمشاركة في الاجتماعات المرتقَبة.
وترى الأوساط أنّ الوقت المتبقّي للموعد المبدئي لتلك الاجتماعات لا يزال يسمح للكثير من التشاور. وتؤكّد أنّ موسكو لا ترغب بعقد اللقاءات بمن حضَر، بل إنّها ستعمل على إقناع غالبية الأطراف المعارضة الفاعلة داخلياً وخارجياً بضرورة المشاركة للتوصّل إلى رؤية مشترَكة تؤسّس للبدء بعملية تفاوضية من أجل الوصول إلى حلّ سلمي يُنهي معاناة الشعب السوري، علماً أنّ أيّ لقاء يُعقَد على أساس البحث عن حلول للأزمة يشكّل خطوةً في الاتجاه الصحيح، في اعتبار أنّه يساهم بتكريس مبدأ التفاوض المباشر ويعزّز التقارب بين جميع الأطراف السورية وفقَ أوساط الخارجية الروسية.
بصَرفِ النظر عن التفاؤل الروسي في إمكان جَمع الأطراف السورية المتنازعة في موسكو، وهواجس بعض قوى المعارضة من تفرّد الروس في الشأن السوري، فإنّ عدم الاكتراث الاميركي حيال الحراك الروسي يثير كثيراً من التساؤلات، خصوصاً أنّ واشنطن لعبَت دوراً كبيراً في دعم معارضي النظام السوري على المستويات كافّةً منذ بدء الأزمة في شباط 2011 .
لكنّ الصمت الأميركي لا يعني ابتعاد واشنطن عن مسرح الأحداث السوري، في اعتبار أنّ الولايات المتحدة لا تزال رقماً صعباً وفاعلاً في أيّ تسوية محتمَلة، ومن دون مباركتها لا يمكن تحقيق أيّ تقدّم يُذكر على خط الجهود الديبلوماسية، ممّا يعني أنّ الأجواء الخارجية والداخلية لم تنضج بعد لإطلاق أيّ حوار في موسكو.