IMLebanon

موسكو لم تُغيّر شيئاً في جنبلاط!

توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية أمام دعوة النائب وليد جنبلاط لدروز سوريا إلى «الخروج من عباءة النظام الآيل إلى السقوط عاجلاً أم آجلاً والالتحاق بالثورة»، خصوصاً أنّه أطلقها بعد أيام قليلة على عودته من موسكو، حيث كانت الأزمة السورية الطبق الرئيس في لقاءاته. فهل صحيحٌ أنّ موسكو لم تُغيّر شيئاً في رؤية جنبلاط للأزمة، وكيف؟

يعتقد زوار النائب وليد جنبلاط وكبار معاونيه أنّه عائدٌ من العاصمة الروسية بكثير من الشعور المتناقض. ففي اللقاءات التي عقدها على مختلف المستويات، ما تلاقى وفهمه لحقيقة الموقف الروسي وخفاياه بالنسبة الى الأزمة السورية وموقعها المتقدم في السياسة الخارجية للكرَملين.

فهو يستند في نظرته الى ما يحصل على مساحة الأراضي السورية، ما يُرضي طموح موسكو التوسعي في المنطقة، فكيف به يتنازل عن موقعه المتقدم في الأراضي السورية على مرّ التاريخ؟

للإتحاد السوفياتي مع دمشق علاقاتٌ مميَزة على كل المستويات السياسية والعسكرية، وهي الدولة التي لم تختَر سلاحاً غير السلاح الروسي في ترسانتها المسلحة، وإن لجأت الى منابع أخرى. وقد حصرت علاقاتها بالدول المحيطة بفلكها، وتلك الداعية الى مواجهة السياسة الأميركية وصولاً الى مجموعة دول عدم الإنحياز.

وعلى هذه الخلفيات، سمع جنبلاط كلاماً لا يرضي طموحه بإجماع دولي على الإسراع في توفير حلٍّ سياسي للأزمة السورية في المدى المنظور. لا بل سمع أنّ الإستراتيجيات التي رُسمت للوضع تمتدّ للسنوات المقبلة. فالنزاع على سوريا ومن أجلها فتَحَ المواجهات القائمة على أراضيها بين دول الحلف وحلفائه نحو المجهول. كما فَهِم أنّ حجم القوى المسخّرة في هذه المواجهة الدولية المفتوحة على شتى الإحتمالات كبير جداً.

فالمنطقة تتّسع لكلّ أشكال النزاع قبل أن ترتسم حدود اللعبة النهائية، طالما أنّ جميع المتورّطين فيها ما زالوا في مرحلة تحسين المواقع على وقع مفاوضاتٍ بلا أفق.

ولعلَّ ما يخيف جنبلاط وغيره من زوار العواصم الكبرى على السواء، أنّ الدعوات الى الحلّ السياسي في سوريا تحمل الكثير من المراوغة. إذ إنّ تباشير الحلول ظهرت أكثر من مرة في الأعوام الثلاثة التي عاشتها الأزمة السورية، ولم يكن هناك قرارٌ بجمع القواسم المشترَكة التي يمكن أن توفّر الحلّ طالما أن لا شيء يبشر بانتصار فريق على آخر.

في المقابل، سمع جنبلاط كلاماً روسياً متشدّداً ينفي وجود أيّ ترابط بين أحداث أوكرانيا مثلاً، وسوريا. فالأزمتان منفصلتان وإصرار البعض على المقايضة في الملفين لا مكان له في المنطق الروسي. وما فعلته روسيا في أوكرانيا بات أمراً واقعاً، ولكلا الأزمتين خصوصيتهما.

ومن هذا المنطلق، سمع جنبلاط كلاماً عن الدعم الروسي لـ»سوريا بشار الأسد»، لا نقاشَ فيه في هذه المرحلة، وأنّ موسكو مع جميع حلفائها لن تسمح بإسقاطه بالطريقة الجاري تنفيذها، لكن ذلك لا يُنهي الحكاية وقد يكون لهذا المسار توقيت حتمي.

وقد فهم جنبلاط ممَّن التقاهم أنّ البحث في مستقبل المنطقة لا يلحظ دوراً للأسد في الشكل القائم. فسوريا الجديدة غير سوريا القديمة، وهو ما يؤشر إلى أنّ لمسيرة الدعم الروسية نهاية لا بد آتية، مهما طال الزمن، إذ إنّ الطبخات المتداخلة إقليمياً ودولياً لم تستوِ بعد.

وفي التفاصيل، أنّ الأزمة الحقيقية تكمن في فقدان البديل عن الأسد، وقد أثبتت التجارب السابقة أنها عملية معقّدة ولن تكون سهلة. فالمجموعات المسلحة المتطرّفة لن تكون البديل، وهو ما يوحي بأنّ البحث عن الصيغة المقبلة لم يتقدم بالشكل الذي يطمح اليه العالم. الأمر الذي سينتظره جنبلاط أياً تكن سنوات الإنتظار، التي ستمرّ ثقيلة وطويلة عليه، وعلى جميع المتضررين.

وعلى هذا الأساس، قد يكون جنبلاط بنى دعوته الى دروز سوريا صراحة، فهو لم يُخفِ عنهم قوله إنّ النظام «آيلٌ إلى السقوط عاجلاً أم آجلاً»، وما عليه سوى أن يقف في صفوف المنتظرين. ولكن الى أين؟ والى متى؟