IMLebanon

موسكو لزوّارها: فعلنا ما نستطيع لمساعدتكم… ساعدوا أنفسكم

يجهد زوار العاصمة الروسية لفهم موقف موسكو من ملفات لبنان، ففي اعتقادهم أنه يمكنها أن تقوم بما يعجز عنه الآخرون فهم على تماس مع الأطراف المؤثرة في الإستحقاق. فطهران من حلفاء موسكو والرياض تجهد لبناء علاقات اقتصادية مميّزة معها. لكنّ هناك مَن يرى أنّ القطبين الدوليَّين لا يمونان في بعض الملفات. وما بين هذه النظريات فإنّ موسكو إن حكت ماذا تقول؟

يعترف الدبلوماسيون المتعاطون بالملف اللبناني أنّ موسكو من بين الدول المقلّة في الكلام عن ملفات وقضايا الدول الداخلية في العديد من القارات ولم تسجّل عليها أيّ عاصمة تدخلاً مباشراً في الشؤون الداخلية ما عدا تلك التي تشكل طرفاً في أزماتها بتواجدها العسكري على أرضها أو أنها على تماس حدودي معها كما الحال بالنسبة الى دول الإتحاد السوفياتي وأفغانستان وسوريا.

أما بالنسبة الى لبنان، فقد سجّلت موسكو مواقفها الإستراتيجية منذ بداية الأزمة وبات يعبّر عنها رأس دبلوماسيتها المعتمد في لبنان وهو الذي بات متخصّصاً في مختلف القضايا ينشط في مختلف المحافل السياسية وليس هناك أيّ باب مقفل أمامه على الإطلاق عدا عن كونه من أقدم الدبلوماسيين المعتمَدين في بيروت.

وعليه، فإنّ زوار العاصمة الروسية منذ فترة طويلة يسعون الى فهم التوجّهات الجديدة التي تقودها الدبلوماسية الروسية في المنطقة تزامناً مع إشتداد المواجهة العسكرية في سوريا والتي انخرط فيها الروس بمختلف أنواع أسلحتهم وشبكات الصواريخ الأكثر تطوّراً لما يمكن أن تكون لهذه الإستراتيجية من انعكاسات على الساحة اللبنانية.

فالجميع يعرف أنّ المتورّطين في أزمات المنطقة من العراق وسوريا الى اليمن بكلّ عتادهم العسكري والقدرات السياسية والدبلوماسية باتوا معنيّين بالملف اللبناني ولا سيما إيران والسعودية بعدما إشتد الصراع بين عاصمتيهما وبلغ الذروة. ومن هنا تبرز الأدوار المحتمَلة لكلٍّ من موسكو وواشنطن اللتين تمسكان الحلفين المتقاتلين على طرفيهما على كلّ المستويات.

ومن هذه الزاوية بالذات، يتطلّع اللبنانيون الى دورٍ روسيٍّ أكبر فقد ترك معظم دول الحلف الدولي المعلن في حربه على داعش لها الجوّ والبرّ والبحر السوري لفترة من الزمن بعدما تخلّت عن المبادرات العسكرية واقتصر التدخل على الجانبين السياسي والدبلوماسي.

وهو ما قاد اللبنانيين الى تصوّر دور أكبر لموسكو في الأزمة اللبنانية لعلّها تتمكن من خلال الربط الذي أجراه رئيسها فلاديمير بوتين مع مختلف الأطراف القيام بمهمة عاجلة نتيجة ما بناه من علاقات مميَّزة مع طهران في حلف ثلاثي مع النظام السوري وحلفائه المحلييين والإقليمين، وكان من الطبيعي أن يكون لها دور في الإستحقاق الرئاسي.

على هذه الخلفيات حاول زوّار موسكو في الفترة الأخيرة الوقوف على إمكاناتها من الحلّ، ولا سيما الإستحقاق الرئاسي. واستبشروا خيراً عندما جال دبلوماسيّوها ولا سيما موفد الرئيس الخاص الى المنطقة ميخائيل بوغدانوف الذي بات على معرفة بكثير من دقائق الأمور وتفاصيلها.

ويعترف زوّار العاصمة الروسية أنّ بوغدانوف الذي جمعته صداقات قديمة مع قيادات لبنانية وأخرى في المنطقة سبق له أن اهتمّ بالملف الرئاسي والتقى أكثر من مرة الممثلة المقيمة للأمين العام للأمم المتحدة في بيروت سيغريد كاغ والموفدين الفرنسيين والفاتيكانيين الى المنطقة، وزار بيروت أكثر من مرة منذ الشغور الرئاسي وهو سبق له أن جال قبل أسبوعين في ما بين الرياض وعواصم مجلس التعاون الخليجي ووعد لبنانيّين التقاهم بإعطاء هذا الملف العناية التي يستحق.

وبناءً على ما تقدّم، يتحدث كبيرُ الدبلوماسيين الروس بدقة عن تفاصيل السياسة اللبنانية ويشرح بالتفصيل المبادرات الفرنسية والأميركية والفاتيكانية التي قادها رؤساء دول وموفدوهم الى لبنان وعواصم الدول المؤثرة في ملفه وما آلت اليه من فشل.

لكنه لا يرى إمكان التفاهم على خطوات عملية تقفل الملف. فالتفاهمات لم تبلغ بعد تفاصيل الأزمات المرتبطة بالأزمتين السورية والعراقية كما اليمن أو تلك التي تواجه الإرهاب.

ولذلك اعترف الدبلوماسي الروسي أمام زواره بصعوبة المهمة نتيجة تشابك الأدوار والمصالح، مؤكداً أنه جهد في زياراته الأخيرة في البحث عن منفذ يقدّم فيه ما يطالب به اللبنانيون على القضايا الإقليمية الأخرى التي كانت موضوع النقاش فلقيت كلها الطريق المسدود، مستذكراً المراحل السابقة التي رافقت المفاوضات النووية بين مجموعة الدول (5 +1) وإيران والأمم المتحدة والتي رفضت فيها إيران الربط بين هذا الملف وملفات أخرى نمت وتشعّبت على هامش هذه المفاوضات في مناطق كانت تشكل بالنسبة الى كلّ الأطراف أوراق قوة استُخدمت في هذه المفاوضات، ومنها الأزمات العسكرية في المنطقة والإستحقاق الرئاسي في لبنان الذي تحوّل إحدى اوراق التجاذب بين الأطراف ولا سيما على خط العلاقات بين طهران والرياض.

ولذلك فقد تمنّى الدبلوماسي مرة جديدة على اللبنانيين أن يتفرّغوا لأمورهم ووقف انتظار الإنتصارات الخارجية التي يمكن أن تعزّز هذا الطرف أو ذاك في بيروت.

ولم يخفِ عتبه على اللبنانيين عندما تمنّى لو أنهم قدّموا نموذجاً في تجاوز الخلافات الإقليمية من أجل تعزيز اهتماماتهم بالشأن الداخلي اللبناني، والإستفادة من توافق الذين يخوضون الحروب في كلّ مكان على استقرار لبنان وضمان أراضيه من أيّ اعتداءن وهو ما تعبّر عنه الهبات العسكرية التي يتلقاها الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى عدا عن الدعم الإستخباري الذي واكب مختلف المحطات الأمنية التي شهدها لبنان نتيجة الصراع السوري سواءٌ على حدوده أو في الداخل اللبناني.

وينتهي الزوّار الى خلاصة مفادها أنّ المساعي الروسية السلحفاتية والباردة التي تقودها من أجل لبنان اصطدمت كما غيرها من المساعي الدولية بالتصلب الخارجي ولا سيما على خط الرياض- طهران وأنهم لن يضغطوا أكثر من اجل خطوات تقود الى الإنفراج الذي يأمله اللبنانيون.

وزادت قناعة الزوّار بصعوبة المهمة الروسية عندما ردّ مسؤول دبلوماسي رفيع على سؤال لزائر لبناني عن موعد نهاية الأزمة السورية بسؤال مماثل عندما توجّه اليه بالقول: هل تتذكر كم دامت الحرب عندكم في لبنان؟!