على الرغم من أنّ مؤتمَرَي «جنيف 1» و«جنيف2»، لم يتمكّنا من كسر جليد العلاقات بين واشنطن وموسكو، ولم يُحقّقا نتائج إيجابية في اختراق حائط الحلّ المسدود بين الحكومة والمعارضة السورية، فإنّ موسكو لا تزال تُعوّل على إمكان استئناف المفاوضات بينهما تمهيداً للحلّ السياسي.
لا يأتي تفاؤل موسكو من فراغ، خصوصاً أنّها لاعبٌ أساسي في الأزمة السورية، إنْ لم نقل اللاعب الخارجي الأبرز، ما يخوّلها استخدام نفوذها على مسرح السياسة الدولية في أكثر من مجال، ويضع في يدها إحدى أهمّ أوراق الحل.
لكنّ موسكو تُدرك أنّ الحلّ ليس حكراً على طرف واحد، بل إنّ ورقته الثانية في يد واشنطن وحلفائها، لذلك لا ينفكّ المسؤولون الروس يؤكّدون مواصلة الجهود لتشكيل مناخات مؤاتية لاستئناف العملية التفاوضية، على رغم انسداد أفق الحوار بين النظام والمعارضة السورية نظراً إلى التعقيدات الداخلية، والتأزّم الدولي مع واشنطن وحلفائها الدوليين والإقليميين.
أوساط الخارجية الروسية تؤكّد وجود تعقيدات كبرى في فلك الأزمة السورية على المستويَين الداخلي والخارجي، إلّا أنّ من الممكن استئناف العملية التفاوضية في حال توافرت الظروف الملائمة، معتبرةً أنّه يمكن تحقيق ذلك من خلال إجراء مفاوضات مباشرة بمشاركة الأطراف المعنية بالأزمة، ولا سيّما منها المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول الجوار، على أن يكون فيها القرار الأساس في يد السوريين من دون سواهم، وأن يقتصر دور الدول الأخرى على الرعاية والضغط على طرفي النزاع في سبيل تقديم التنازلات الضرورية في سبيل إنجاح الحلّ السلمي للأزمة، والتشديد على ضرورة مشاركة جميع أطراف المعارضة الداخلية والخارجية، خصوصاً تلك التي تُنادي بالحلّ السلمي، لأنّ في استطاعتها أن تلعب دوراً مهمّاً في تقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة المسلحة.
وتعتبر الأوساط أنّ بروز الحركات الإرهابية المتطرّفة على مسرح الأحداث الميدانية في سوريا يجب أن يشكّل عاملاً أساساً لحَضّ طرفي النزاع على المضيّ قدُماً في البحث عن نقاط الالتقاء لإنقاذ بلادهم، خصوصاً أنّ دوَل الجوار قد أدركت خطورة هذه الظاهرة، وإمكان انتشارها إلى ما هو أبعد من حدود سوريا والعراق، وخير دليل على ذلك ما تشهده بعض المناطق اللبنانية من محاولات لتقويض دور الجيش والسلطات الشرعية في البلاد ضمن سيناريو تكوين إمارات هنا وهناك، تمهيداً لإعلان «الخلافة الإسلامية» في الشرق الأوسط، وهذا ما مهَّد له تنظيم «داعش» بتنصيب أبي بكر البغدادي أميراً لـ«الدولة الإسلامية».
وتؤكّد الأوساط استعداد موسكو لتقديم كلّ أشكال التعاون مع الشركاء الغربيين شرط أن تنصبّ الجهود كافة على إيجاد تسوية سياسية شاملة على أساس تنفيذ مقرّرات «جنيف1».
وتشير إلى أنّ جولتي جنيف السابقتين قد توصّلتا إلى بعض التفاهمات المهمة ومنها مكافحة الإرهاب، وطرُق وأساليب العملية السلمية، لكنّ بعض الأطراف الخارجية استغلّت الأجواء المتشنجة المحيطة بالمفاوضات واصطادت في المياه العكِرة، وأوقفت العملية التفاوضية، وتعتبر أنّ استمرار الرهان على الخيار العسكري في سوريا لن يأتي إلّا بالويلات على الشعب السوري بكلّ شرائحه الاجتماعية، لذلك من الضروري وقف تدفّق الأسلحة إلى سوريا لأنّ بعض التجارب الماضية أثبتَ أنّ هذه الأسلحة يمكن وقوعها في أيدي الإرهابيين.
وتؤكّد الأوساط أنّ موسكو لا تزال تراهن على دور المبعوث الأممي ستيفان دو ميستورا، انطلاقاً من خبرته الغنية بالتجارب في المنطقة، وأنّه منذ تعيينه لا يزال يعمل على محاور عدّة فاعلة في الأزمة، ما يشير في وضوح إلى أنّ الرجل قادر على تكوين رؤية معيّنة للحل السياسي تُرضي جميع الأطراف.