Site icon IMLebanon

إجتماع موسكو وطريق القدس عبر منظمة التحرير الفلسطينية

 

أصبح ثابتاً في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي منذ نكبة فلسطين في العام ١٩٤٨ ولغاية نكبة غزة وحرب الإبادة الجماعية الواقعة على الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ أن طريق القدس لا يمرّ عبر الجغرافيا ولا عبر الأمم. لا عبر القاهرة وعمّان وبيروت ودمشق والأمة العربية، ولا عبر تركيا وإيران وإندونيسيا وباقي الأمة الإسلامية، ولا عبر جنوب أفريقيا والبرازيل والصين وروسيا والأمم المتحدة. ولو وقف جميع العالم معك وأنت لم تقف مع نفسك، فأنت هالكٌ لا محالة، وكيف إذا لم يكن العالم كذلك، وكيف إذا كان العالم متآمراً شريكاً أو محرّضاً أو متخاذلاً ضعيفاً أو متفرجاً على جرائم التطهير العرقي وحرب التجويع والإبادة الشاملة للحجر والبشر وتعمّد قتل المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، وقد تجاوز عدد الشهداء والجرحى مائة ألف فلسطيني مع فشل مجلس الأمن خلال خمسة أشهر في التوصل إلى تبنّي مشروع قرار ملزم وإنساني لوقف إطلاق النار بسبب الفيتويات الأميركية الملطّخة بالعار والدم والإرهاب الإسرائيلي المتواصل الذي تمارسه حكومة نتنياهو الرعناء وجيش العدو الأهوج ضد البطون الجائعة والشعب الأعزل.

إجتماع موسكو الاستثنائي والبيان الصادر عنه لم يكونا تجربة أولى أو فريدة بين الفصائل الفلسطينية من أجل الحوار والمصالحة والسير في برنامج وطني فلسطيني موحّد لطالما لم تصل إلى نتائجها المرجوّة، ولكنهما بمثابة حاجة أكثر من ماسّة وفرصة ربما لا يمكن تعويضها من أجل إنقاذ ما تبقّى من الأرواح والحياة الضئيلة واليائسة إلّا من روح الله في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية. وقد تضمن البيان المشترك شكراً وتقديراً للقيادة الروسية على الاستضافة والدعم للقضية الفلسطينية وتعزيز الحوار والعمل من أجل التوصل إلى وحدة وطنية شاملة بين كافة القوى والفصائل الفلسطينية في إطار «منظمة التحرير الفلسطينية» الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وهذا ما يمثّل إقراراً من جميع الفصائل الفلسطينية بما فيها حركة فتح وحماس والجهاد الإسلامي بأن طريق القدس لا بد أن يمرّ أولاً وأخيراً عبر «منظمة التحرير الفلسطينية»، أي عبر إطار موحّد وجامع لأبناء الشعب الفلسطيني الأمين على قضيته الوطنية والقدس الشريف. عبر الإنسان وإيمانه بقضيته أولاً وليس عبر الحدود والمعابر والمحاور والجغرافيا الطبيعية والسياسية القريبة أو البعيدة. كما وجهت الفصائل الفلسطينية المجتمعة في موسكو التحية لدولة جنوب أفريقيا على دعمها ودورها الأساسي في رفع قضية أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل لارتكابها جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.

 

مسائل أساسيّة ركّزت عليها بنود البيان المشترك وأهمها ما يتعلق بالحرب الإسرائيلية الهمجية بدعم وشراكة الولايات المتحدة الأميركية ومنها: وجوب التصدي للعدوان وحرب الإبادة الجماعية والتهجير، والتأكيد على عدم شرعية الاستيطان والتوسع الاستيطاني وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، وفك الحصار عن قطاع غزة والضفة الغربية وإيصال المساعدات الإنسانية والحيوية والطبية دون قيود أو شروط، وإجبار العدو على انسحاب كامل من غزة والتمسّك بوحدة الأراضي الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته الحرّة والمستقلة وكاملة السيادة وعاصمتها القدس وفقاً للقرارات الدولية. كما أكدت بنود البيان على دعم وإسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته وعائلات الشهداء والجرحى وكل من فقد بيته وممتلكاته ومصادر رزقه، وكذلك على إعمار ما دمره الإحتلال والتصدي لمؤامراته وانتهاكاته ضد المسجد الأقصى، واعتداءاته على حرية العبادة في شهر رمضان، والدفاع عن المسجد الأقصى ومدينة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وإسناد الأسرى الذين يتعرضون للتعذيب في السجون الإسرائيلية وأولوية بذل الجهود من أجل تحريرهم، وحماية وكالة الغوث الدولية ودورها الحيوي في رعاية اللاجئين، وحق العودة وتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم ١٩٤.

 

البيان المشترك على أهميته وجلائه في مضمون الحقوق التاريخية والقانونية للشعب الفلسطيني، وتأكيده على وحدة الشعب الفلسطيني وكافة الفصائل والقوى لبلوغ الأهداف التي نصت عليها بنوده التسعة تحت مظلة «منظمة التحرير الفلسطينية» الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، والتحدي الوجودي الأكبر لقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس بعد هذه الحرب المجنونة، وأيضاً الثابت التاريخي في عدم مرور طريق القدس عبر الجغرافيا وإنما عبر وحدة أبناء الشعب الفلسطيني أولاً وعدم انقسامهم بين المحاور على حساب قضيتهم الوطنية، كلها أمورٌ تؤكد على ضرورة الحفاظ على هذه الوحدة وتعزيزها بعد اجتماع موسكو، وهي الأساس الصلب الذي سيفرض على العالم والجغرافيا وأمم الشرق والغرب تغيير التاريخ وقلب الموازين نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والمعترف بها وعاصمتها القدس الشريف. وقد يكون هذا الأمر جولة من جولات الحق التي ما زالت تحتاج إلى كثيرٍ من العمل والكفاح وتأييدٍ من الله حين تصدق النوايا ويتغيّر ما بالنفوس من غلٍّ وأمرٍ بالسوء وصراعات ومصالح ضيقة إلى أخوةٍ صادقة في الله وتعاونٍ على البر والتقوى، ونبذٍ للتقاتل والانقسام السام الذي أضرّ بالقضية الفلسطينية أكثر مما يضرّ بها العدو الإسرائيلي والعم سام وحلفاؤه المجرمون.

حمى الله شعب فلسطين البطل، حمى المقاومين والمجاهدين في سبيل الله، حمى أطفالهم ونسائهم ورجالهم، وأنزل رحماته على الأراضي المقدسة والمباركة، وبدّل خوفهم أمناً، ومنّ عليهم بالسلام. قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكِّننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدِّلنَّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور: ٥٥].