لم تصدر تعليقات عن اي عاصمة كبرى او اقليمية من العواصم المعنية بالازمة السورية على الدعوة التي وجهتها موسكو للافرقاء السوريين الى اللقاء في العاصمة الروسية في الاسبوع الاخير من الشهر الجاري. فأي تعليق سلبي او ايجابي كان ليفصح عن الموقف سواء كان تأييدا او دعما او اعتراضا، في حين تقول مصادر معنية ان عدم وجود اي خطة من اي نوع لمحاولة تقديم حلول للازمة السورية باستثناء تلك التي قدمها الموفد الدولي اليها ستيفان دو ميستورا والتي هي موضوع آخر يمكن العودة اليه لاحقا تترك المجال رحبا امام روسيا من اجل ان تحاول ان تلعب دورا من شأنه ان يسبغ عليها طابعا آخر في عز الضيق والعقوبات التي تواجهها. وهذا الطابع يتمثل في تثبيت موسكو نفسها لاعبا محوريا قادرا وحده على جمع الافرقاء السوريين حول طاولة واحدة من دون اي مساهمة من اي دولة او منظمة اخرى، اكانت الولايات المتحدة الاميركية واوروبا او الامم المتحدة بغض النظر عن قدرتها على المساعدة في اخراج حلول، في حين ان نجاحها في ذلك سيكسبها نقاطا كبيرة جدا لجهة موقعها ودورها الدوليين. وجلوس السوريين الى طاولة واحدة في موسكو سيعزز اوراق روسيا خصوصا في ظل ابتعاد اميركي عن اي التزام في اتجاه الازمة السورية وتركيزها على مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية ليس الا.
ولكن واقع الامور ان ثمة انتظارا لما يمكن ان تؤدي اليه هذه الاجتماعات لكن من دون اوهام او توقعات متسرعة في ظل التعقيدات الكثيرة التي باتت عليها الازمة السورية والصراعات الاقليمية والدولية التي تدار على ارضها. ولذلك فان التركيز على دعوة الحوار الروسية يتركز في شكل جوهري وحتى اشعار آخر على المكسب الشكلي المهم التي ستحرزه موسكو من حيث المبدأ لمجرد انجاز مبدأ الجمع بين الاطراف. اذ تكشف مصادر معنية ان موسكو تقول باعتماد بيان جنيف واحد الذي اتفق عليه بينها والولايات المتحدة في حزيران 2012 قاعدة للحوار بين افرقاء النظام والمعارضة انطلاقا من ان العاصمة الروسية تحبذ في الواقع قيام حكومة انتقالية تضم الجميع اي فريقي النظام والمعارضة بتعدديتها الداخلية والخارجية وفق ما نص عليه بيان جنيف واحد، الا انها في الوقت نفسه تضع في صلب استراتيجيتها تعديلات على هذا البيان في ما خص بند الحكومة الانتقالية او ما سمي هيئة انتقالية عبر شطب ما يتصل بـ”استطاعة هذه الهيئة ان تمارس كامل السلطات التنفيذية” التي تنزع من الرئيس السوري الصلاحيات الواسعة والحصرية التي يتمتع بها في ادارة البلاد. وشطب هذه العبارة من شأنه الا يعدل الامور القائمة راهنا خصوصا ان الرئيس السوري اعاد تشكيل حكومته على قاعدة منح المعارضين في الداخل بعض الحقائب غير الاساسية لكن مع استمرار امساكه بكل مفاصل الدولة، ولا يعتقد ان السياق الروسي لتنفيذ بيان جنيف واحد في هذا الاطار قد يكون ناجحا بناء على المبدأ نفسه، خصوصا ان المرحلة التي وصلت فيها الامور في سوريا لم تعد تسمح بحلول من هذا النوع. ومبادرة دو ميستورا التي لقيت دعما كبيرا من موسكو كونها تبقي في شكل من الاشكال على الرئيس السوري وعلى نفوذ واسع له على مناطق سيطرته يسجل لها اقرارها بعدم قبول السنة السوريين لحكم برئاسة بشار الاسد في المستقبل، وذلك على رغم التحفظ الذي واجهته مبادرة دو ميستورا في اروقة الامم المتحدة بالذات انطلاقا من ان تعيينه منسقا دوليا للازمة السورية لم يرم الى تحريك الامور في سوريا في اي اتجاه بمقدار ما قصد منه ابقاء الامم المتحدة المحركات حول الازمة السورية دائرة والتعبير عن استمرار الاهتمام الاممي بهذه الازمة. وتفيد معلومات في هذا الاطار ان دو ميستورا وضع في هذه الاجواء لدى تكليفه بالملف السوري لكنه تحرك على غير ما هو متوقع منه فأثار استياء في اتجاهات عدة، في انتظار ان يتضح مدى ذلك وتأثيره في ردود الفعل والتي ظهر بعضها قبل بعض الوقت خصوصا لدى بعض الدول الاقليمية، فضلا عن استياء مما يعتقد انه ذهب بعيدا في شأنه لجهة ذهابه في اتجاه آخر يمالئ فيه النظام السوري بناء على الانزعاج الذي عبر عنه الرئيس الاسد من سلف دو ميستورا الاخضر الابرهيمي.
السؤال بالنسبة الى المتابعين عن كثب تفاصيل الازمة السورية هو المدى الذي ستأخذ اليه موسكو المعارضة السورية في الخارج باعتبار ان معارضة الداخل مستوعبة من النظام وهذه لا تقف حجر عثرة فيما النظام يجد له نصيرا داعما له مستمرا في موسكو منذ انطلاق الثورة قبل ما يزيد على ثلاث سنوات. ويستند الرهان على المعارضة السورية في الخارج الى واقع ان وضع هذه المعارضة غدا اكثر صعوبة لأسباب مختلفة بعضها يتصل بخلافاتها ما كشف عجزها في مجالات عدة، وبعضها الآخر يتصل بالخلافات التي عصفت بين الدول الاقليمية الداعمة لها والتي ادى تقلص او تراجع الخلافات بينها الى تراجع نسبة الدعم المادي التي تحتاج اليه المعارضة خصوصا ان تلبية المعارضة دعوة موسكو، سواء نتيجة الاتصالات الروسية مع تركيا في شكل خاص او سواها من الدول، لا يمكن اعتباره امرا سهلا او عابرا ولو ان الخيوط لم تنقطع بين موسكو والمعارضة طيلة السنوات الماضية.