من حقيبة النهار الديبلوماسية
“لن تستطيع القيادة الروسية أن تحكم سوريا وتدير شؤونها وتنهي الحرب وتحقق الاستقرار والسلام فيها من طريق الاكتفاء بدعم الرئيس بشار الأسد والتعاون معه ومساعدته على تنفيذ أهدافه بل أنها تركز جهودها غير المعلن عنها خصوصاً على التفاوض مع أميركا على مستويات مختلفة من أجل الاتفاق معها على تركيبة جديدة للنظام تكون مقبولة داخلياً وخارجياً وتتفق وتنسجم مع نتائج الحرب الكارثية وتداعياتها مع الأوضاع التي أفرزتها هذه الحرب في كل المجالات والتي تجعل بقاء نظام الأسد بتركيبته وقيادته وتوجهاته أمراً غير واقعي وغير ممكن ويتناقض مع متطلبات إنهاء القتال والانتقال الى مرحلة السلام. فالقيادة الروسية ليست راغبة في حل روسي – أسدي للنزاع يحقق أهداف الأسد لان هذا الحل يطيل أمد الحرب ويعمق الصراع ولن يحقق المصالح الحيوية والاستراتيجية لموسكو، بل أن القيادة الروسية تريد حلاً أميركياً – روسيا – دولياً – إقليمياً للصراع تسانده المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تضم 17 دولة لأن عملية انقاذ سوريا ومعالجة مشاكلها الهائلة أكبر من أن تقتصر على المجال العسكري بل تتطلب جهوداً ضخمة وتعاوناً حقيقياً بين مجموعة كبيرة من الدول المؤثرة. وتدرك القيادة الروسية أن الغالبية من أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا وتحديداً أميركا والدول الحليفة لها تتمسك بضرورة انهاء حكم الأسد من أجل الموافقة على حل سياسي شامل حقيقي للأزمة ومساندة هذا الحل. فميزان القوى العسكرية في سوريا هو اليوم لمصلحة روسيا، لكن النفوذ الروسي الواسع ليس كافياً وحده لإنهاء الحرب وتسوية المشاكل المتعددة التي يواجهها البلد”. هكذا اختصر مسؤول دولي في باريس الجوانب الخفية الأساسية للصراع في سوريا وقال: “الحقيقة، بقطع النظر عن الانجازات العسكرية، ان الأسد يواجه مأزقاً حقيقياً وهذا مرده الى فشله في معالجة الأزمة من جوانبها المتعددة والى ان القرارات والتفاهمات الدولية التي أنجزتها روسيا مع أميركا وتبناها مجلس الأمن وأيدتها المجموعة الدولية لدعم سوريا تضع الرئيس السوري أمام خيارين صعبين: الأول هو التفاوض مع المعارضة في إشراف دولي على نقل السلطة الى نظام جديد تعددي الأمر الذي يعني إنهاء حكمه، والثاني هو مواصلة حرب مدمرة حتى النهاية ضد المعارضة والدول المؤثرة الداعمة لها ستؤدي ايضاً الى انهاء حكمه لأنها ستلحق المزيد من الكوارث بسوريا ولن تمنحه القدرة على حكم البلد وتوحيد ابنائه واعادة بنائه واعماره وتسوية مشاكله الهائلة في كل المجالات”.
وأضاف المسؤول الدولي: “من الضروري الاعتراف بأن التحالف الروسي – السوري ليس مطابقاً لما يريده الأسد الذي ترفض موسكو تصنيفه حليفاً لها. فالقيادة الروسية ليست راغبة في حل يضمن بقاء نظام الاسد بل انها التزمت رسمياً وخطياً تنفيذ حل سياسي ينقل السلطة الى نظام جديد وتشارك هي مع أميركا ودول أخرى في صنعه وتركيبه. والقيادة الروسية ليست راغبة في دعم حرب ليست لها نهاية يخوضها الأسد ضد المعارضين بل تريد معالجة الصراع الداخلي بوسائل ضغط متنوعة وترك الباب مفتوحاً أمام المفاوضات مع المعارضة. والقيادة الروسية، في أي حال وبقطع النظر عما يجري في ساحة المعركة، لن تستطيع أن تطلق بقرار منها محادثات السلام في جنيف وان تحدد جدول أعمالها وأهدافها وأن تختار المعارضة التي تريدها لتكون الطرف المفاوض مع وفد النظام، بل أن وفد الهيئة العليا للمفاوضات المدعوم من أميركا وحلفائها هو من يمثل وحده المعارضة الحقيقية في محادثات جنيف. والقيادة الروسية تعارض خطط الأسد لاقتحام حلب بالقوة لأن هذه العملية تتناقض مع الاتفاق الأميركي – الروسي الذي أيده مجلس الأمن ولأنها تدرك الأبعاد الداخلية والاقليمية والدولية الخطيرة لعملية كهذه ستؤدي الى تشريد أكثر من 400 ألف سوري جديد استناداً الى ما حذّر منه المبعوث الدولي الى سوريا ستافان دو ميستورا. وتفضل موسكو معالجة عقدة حلب من طريق التفاوض مع أميركا”.
وخلص المسؤول الدولي الى التساؤل: “ماذا يبقى من التحالف الروسي – السوري؟ يبقى ما تريده موسكو من هذا التحالف وليس ما يريده الأسد. ويبقى أن روسيا تريد انقاذ ما تبقى من سوريا وانهاء الحرب وليس انقاذ الأسد، بل انها تحتاج اليه والى موجوده موقتاً من اجل تنفيذ أهدافها ليس اكثر ولان التمسك بالأسد يمنع التفاهم الكامل مع أميركا والدول الحليفة لها”.