على رغم اقتراب موعد الجولة الثانية من مشاورات موسكو في شأن سوريا في 6 نيسان المقبل، إلّا أنّ أجواء الخارجية الروسية لا تُوحي باهتمام بالغ على غرار الأجواء التي سادت عشية الجولة الأولى.
لا شكّ في أنّ المسؤولين الروس يُدركون أنّ المناخات الاقليمية والدولية غير مؤاتية لإنجاز حوار جدّي وبنّاء بين أطراف الازمة السورية نظراً لكثرة تعقيداتها وتداخلها في أكثر من ملفّ من جهة، وبسبب مستجدّات الوضع العربي، خصوصاً في اليمن وتداعياته على مجريات الأحداث على الخريطة العربية والدولية من جهة ثانية، وبالتالي فإنّ تسارع الاحداث والمواقف النارية المرافقة لها قد انعكس أيضاً على علاقات روسيا مع عدد من العواصم الفاعلة.
هذا ما تجلّى في هجوم وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل على الدور الروسي في الازمة السورية، ما اعتبره مراقبون محاولة مباشرة لإجهاض جهود موسكو الديبلوماسية، خصوصاً أنّ الفيصل اعتبر أنّ روسيا جزء من الازمة، ما يعني أنّ الرياض ترى أنّ موسكو غير مهيَّأة للعب دور الوسيط بين الاطراف السورية المتنازعة.
وعلى رغم أنّ روسيا لم ترد مباشرة على التصعيد السعودي، إلّا أنها اكدت على لسان المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بوشكوف في شأن توريد الاسلحة الى سوريا «أنْ لا حظر على التعاون العسكري والتقني بين البلدين»، ما يعني أنّ الحديث عن قيود قانونية ليس في محلّه.
وبما أنّ للمملكة العربية السعودية دوراً مؤثراً مباشراً في بعض أطياف المعارضة السورية، بات في حكم المؤكد أنّ المشاركة في هذه الجولة لن تكون اوسع وافضل وفق ما حاول الروس تحقيقه من خلال مدّ خيوط التواصل مع كلّ أركان المعارضة.
انطلاقاً من ذلك يمكن القول إنّ المملكة قد كسرت الجرة مع موسكو، خصوصاً أنّ علاقات البلدين قد تأزّمت بنحوٍ لافت بعدما وجّه الروس اصابع الاتهام إلى الرياض في لعبة انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية والتي أصابت الاقتصاد الروسي بضربة موجعة.
إذاً، لا تحاول الخارجية الروسية الترويج أو حتى التعليق على جولة المشاورات المنتظرة، وتعزو ذلك الى عدم التأثير سلباً في الحوار المرتقب، لكن بات واضحاً ضمناً أنّ موسكو أدركت أنّ حوار السوريين على طاولاتها لن يأتي بأيّ نتائج ايجابية في المدى المنظور، وبالتالي لا بدّ من البحث عن أساليب اخرى للتأثير في اطراف النزاع السوري، أو انتظار مناخات مناسبة لتفعيل الجهود الديبلوماسية وهو أضعف الايمان.
لكنّ أوساطها تؤكد أنّ هناك مَن يريد الاصطياد في المياه العكرة، وذلك بعدما حقّقت موسكو بعض التقدّم في تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع، وضرورة تقديم تنازلات في سبيل تذليل العقبات امام الحوار.
وتعتبر هذه الاوساط أنّ إفراج الحكومة السورية عن مئات المعتقلين السياسيين يُعتبر خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ولا بدّ من أن يكون له أثر إيجابي في اجواء المفاوضات المرتقبة وفي العلاقة بين الحكومة والمعارضة لاحقاً.
كما أنّ امكانية حضور المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا مشاورات موسكو سيجعلها أكثر انتاجية. وتقول إنه انطلاقاً من هذه الانجازات على المستوى السياسي والاجواء الايجابية المحيطة بمشاورات موسكو، فإنّ ذلك لم يَرُق للبعض في اعتبار أنه يكشف حجم دوره الحقيقي في الأزمة، وهذا ما يدفع الى انتهاج مسار عرقلة العملية السياسية، مؤكدة استمرار موسكو في مساعيها لإيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية.